توصلت دول منطقة اليورو إلى اتفاق حول توقيع معاهدة جديدة تلزم الدول الأعضاء التقيد بشروط التحكم في عجز الموازنة وتقتضي الإجراءات العقابية ضد التسيب فيها. ويمثل الاتفاق أهم خطوة تعلنها الدول الأوروبية منذ 18 شهراً، ظلت تصارع خلالها أسواق المال ووكالات التصنيف. وذكر قادة منطقة اليورو في بيان القمة، أن «التوتر في أسواق المال تزايد في شكل كثيف ما يتطلب من الدول الأعضاء مضاعفة الجهود لرفع التحديات». وستراقب مؤسسات الاتحاد وضع موازنات الدول الأعضاء وإنفاقها، ما يمثل تحولاً كبيراً يتمثل في نقل جزء من السيادة الوطنية للبرلمانات إلى سلة السيادة الجماعية في بروكسيل. ويشمل الاتفاق دول اليورو ال 17 والدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد، التي يمكن أن تنخرط في المعاهدة الجديدة باستثناء بريطانيا التي كانت حريصة على مصالح سوق لندن للأوراق المالية. ولفت رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، إلى أن «دولة واحدة (بريطانيا) خرجت على الإجماع، وربما تنخرط الدول غير الأعضاء في عملة اليورو في المعاهدة الجديدة». ورأى أن الاتفاق «سيمكّن من حل مشاكل المنطقة عل الأمدين القصير والمتوسط». ويستند اتفاق «ميثاق الموازنة» إلى اقتراحات أعدتها ألمانيا وفرنسا وفان رومبوي ورئيس المفوضية مانويل باروسو. وواجهت القمة مفاوضات شاقة، نتيجة اعتراض بريطانيا ليل الخميس الجمعة على مراجعة معاهدة الاتحاد الأوروبي، بهدف تضمينها مقتضيات التحكم في العجز العام وآليات إنقاذ الدول الأعضاء التي تعاني ضغط وكالات التصنيف ونهم أسواق المال. وطالبت بريطانيا بتمكينها من مقتضيات تخفف الرقابة الأوروبية على سوق المال في لندن، فضلاً عن وقوفها ضد توحيد الأنظمة الضريبية. وهو ما رأته ألمانيا وفرنسا استثناء يفرغ إجراءات الرقابة المالية من مضمونها. ساركوزي وتمنّى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، «لو حصل الاتفاق بين الدول الأعضاء ال 27. لكن بريطانيا وضعت شروطاً غير مقبولة». وأوضح أن «نقص مراقبة التعاملات المالية كان ضمن أسباب الأزمة». ويُعد اتفاق دول منطقة اليورو مفتوحاً أمام بقية أعضاء الاتحاد. واعترضت عليه بريطانيا بشدة، فيما طلبت هنغاريا وجمهورية التشيك والسويد العودة إلى البرلمان قبل الانخراط في المعاهدة الجديدة. وأكد بيان دول عملة اليورو الاتفاق حول «السير في اتجاه تقوية الاتحاد الاقتصادي من خلال وضع ميثاق جديد للموازنة، وتعزيز تنسيق السياسات الاقتصادية، وتطوير آليات الاستقرار المالي لمواجهة الأزمة في الأمد القريب». ويعكس الاتفاق الجديد القناعة الجماعية بالحاجة إلى تشكيل حكومة اقتصادية تنسيق السياسات المالية والاجتماعية، ومراقبة الموازنات من مؤسسات الاتحاد واللجوء عند الضرورة إلى محكمة العدل الأوروبية. وأكد قادة منطقة اليورو ضرورة السير الآن نحو «اتحاد استقرار الموازنة» في منطقة العملة الواحدة، وضرورة التزود بعماد اقتصادي قوي إلى جانب العملة الواحدة بالإضافة إلى إدماج السوق الداخلية وتعزيز التنافسية والانسجام الاجتماعي». ويقتضي تحقيق هدف الانضباط في سير الموازنة بالنسبة إلى ألمانيا، معاودة تحديد السقف وتوثيقه في معاهدة جديدة. وشدد الاتفاق على التزام دول منطقة اليورو ضمان توازن الموازنات العامة، وألا يتجاوز نصف نقطة في المئة من الناتج المحلي الخام فوق مستوى 3 في المئة، الذي كانت حددته معاهدة الاتحاد النقدي في ماستريخت عام 1992. وأشار بيان القمة، إلى ضرورة «تنزيل هذه القاعدة في التشريعات الوطنية للدول الأعضاء». وتقتضي القاعدة أن تتولى كل من الدول الأعضاء وضع «صيغة تصحيح آلية، عندما تعلن المفوضية حال عجز موازنة أي من الدول الأعضاء». ويتفق القادة على التوصية إلى محكمة العدل الأوروبية لمراجعة مدى توثيق مقتضيات المعاهدة في التشريعات الوطنية». وتطمئن القاعدة الجديدةألمانيا، التي سعت على مدى أكثر من سنة إلى إقناع الدول الأعضاء بضرورة التقيد بشروط الحزم في الإنفاق العام ومراقبته من المفوضية الأوروبية بصفتها الجهاز التنفيذي للاتحاد. دور «المركزي» وعهدت قمة منطقة اليورو إلى البنك المركزي الأوروبي، إدارة صندوق الاستقرار المالي الذي يقدم مساعدات مالية إلى الدول التي تعاني أزمة ارتفاع الديون السيادية مثل اليونان وايطاليا والبرتغال وإرلندا. وستراجع القمة في آذار (مارس) المقبل سقف رأس مال الصندوق المحددة قيمته بنصف تريليون يورو (670 بليون دولار). كما قررت الدول الأوروبية تعزيز موارد صندوق النقد الدولي، بمستوى 200 بليون يورو لتمكينه في المقابل من مساعدة منطقة اليورو، لكن ذلك لن يكون كافياً لتسوية أزمة الديون. وأعلن قادة منطقة اليورو في بيان صدر فجر أمس بعد ليلة من المفاوضات في بروكسيل، ان «منطقة اليورو والدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد، ستدرس وتؤكد في خلال عشرة ايام مسألة تقديم موارد إضافية تصل إلى 200 بليون يورو لصندوق النقد الدولي على شكل قروض ثنائية». وأوضحوا أن هذا الإجراء سيسمح بمنح «صندوق النقد الدولي الموارد الملائمة لمواجهة الأزمة». وأملوا في «ورود مساهمات موازية من الأسرة الدولية». ورحبت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد بهذه الإجراءات، لأنها تسير «في شكل واضح في الاتجاه الصحيح». ووعدت ب «المشاركة في جهود» منطقة اليورو. ويملك الصندوق حالياً ما يقل عن 300 بليون يورو لكل الدول الأعضاء، وهي مورد غير كاف لمساعدة اقتصاد ضخم مثل الاقتصاد الايطالي في حال اقتضت الحاجة، ما يوجب زيادة موارده حيال عجز الأوروبيين عن تعزيز الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي بما يكفي لتمكينه من وقف انتشار أزمة الديون. لكن مع معارضة الولاياتالمتحدة زيادة تمويلها لصندوق النقد الدولي، استُبعدت زيادة معممة لموارد المؤسسة المالية من جميع الأعضاء، واعتُمدت مساهمات ثنائية طوعية من دول ناشئة وأوروبية. وخرجت المفاوضات الشاقة في بروكسيل إلى هذا الاتفاق، وعلى رغم تمنع ألمانيا. معارضة غير ان البنك المركزي الاوروبي خرج عن صمته حيال المسألة معارضاً مثل هذا الحل. وقال ماريو دراغي رئيس المؤسسة المالية التي تتخذ من فرانكفورت مقراً لها، أن «البنك المركزي الأوروبي ليس عضواً في صندوق النقد الدولي»، واقامة هذا الرابط المالي بين المؤسستين سيكون «معقداً قانونياً». وبالتالي أشار المصدر إلى استبعاد أي إشارة الى البنك المركزي الأوروبي، وسيعود للمصارف المركزية الوطنية منح قروض ثنائية لصندوق النقد. وعارض دراغي هذا القرار أيضاً، موضحاً أن «روحية المعاهدات لا تسمح بمرور الأموال عبر قنوات تلتف على القواعد». واعتبر ان المصارف المركزية لدول منطقة اليورو، يمكنها إقراض صندوق النقد الدولي فقط في حال كانت اموالها تهدف الى مساعدة دول أخرى أيضاً، وليس في حال كانت مخصصة لمنطقة اليورو نفسها حصراً. وفي مطلق الاحوال، فان هذا الحل لا يعتبر مثالياً في مواجهة الأزمة، لان قدرة تدخل صندوق النقد الدولي في منطقة اليورو ستبقى محدودة. واقر رئيس منطقة اليورو جان كلود يونكر، أن «هذا ليس حلاًّ سحرياً»، مؤكداً في صحيفة «لوموند» الفرنسية، «ضرورة أن «تتكفل الدول الأعضاء في منطقة اليورو، بالقسم الأكبر من الجهود. لكن المفاوضات لا تحرز تقدماً كبيراً في شأن تعزيز الموانع الأوروبية ضد انتشار الأزمة.