أشار خالد العظم في مذكراته، إلى أن سورية اعترفت بسيادة لبنان أثناء عقدها معاهدة 1936، إذ فضلت التعاون مع لبنان لنيل الاستقلال على التمسك بضم جزء منه، ثم جدَّدت اعترافها ب «إلحاق الأقضية الأربعة بالجمهورية اللبنانية، بتوقيعها ميثاق الجامعة العربية، الذي نصَّ على احترام حدود الدول العربية بحالتها الراهنة». وقد ارتضى العظم، ومعه النخب السياسية الليبرالية النافذة في البلدين، نمطاً من العلاقات يغلب عليها التفاهم والتماثل، في ظل مدونة متشابهة في حياتهم السياسية الديموقراطية الحرة. وحافظ البلدان على الوحدة الجمركية، لكن أثناء وزارة خالد العظم (عامي 1950-1951) ما لبثت أن تصدعت هذه الوحدة، إذ خيَّر العظم الحكومة اللبنانية، أثناء ترؤسه الحكومة، بين الوحدة الاقتصادية أو إلغاء الاتحاد الجمركي، فزاره محمد علي حمادة موفداً رسمياً ليبلغه «أن الحكومة اللبنانية آسفة جداً لعدم استطاعتها قبول ما جاء في المذكرة السورية، وأنها ترجو ألا تنقطع الصلات بينهما»، فقال العظم: «إن الحكومة السورية لا ترغب في قطع الصلات، إنما هي تريد زيادتها توثيقاً. ورجوته أيضاً أن ينقل إلى السيد رياض الصلح رأيي بأنه الوحيد الذي يستطيع تحقيق الوحدة الاقتصادية». وقد حمَّل خالد العظم، بطريقة مُتحيِّزة، رياض الصلح شخصياً مسؤولية إلغاء الاتحاد الجمركي، فيقول: «وجدير بالأسف موقف رياض الصلح السلبي، وهو المناضل في سبيل استقلال سورية ولبنان، والمُعارض للسياسة الفرنسية في تفريق لبنان عن سورية، والمُشترك مع زعماء سورية في جهادهم، كشكري القوتلي وإبراهيم هنانو وشكيب أرسلان وسعدالله الجابري وجميل مردم بك ولطفي الحفار وفارس الخوري وفخري البارودي وغيرهم، والذي كان عضواً في الوفد السوري في جنيف.. أمسى في كل مناسبة تتعارض فيها مصالح سورية ولبنان، يعمل جهده لدى رفاقه الأقدمين متولي الحكم في دمشق، ليؤمن للبنان منافع على حساب سورية». روى العظم، أنه في ظروف مواجهة سياسة الأحلاف، تم توقيع ميثاق الدفاع المصري السوري في 2 آذار (مارس) 1955، وقعها العظم وزير خارجية سورية، والصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومي المصري، ثم انتقل الوزيران إلى الرياض ليجتمعا بالجانب السعودي بتاريخ 5 مارس (آذار) 1955، فتوصل الأطراف الثلاثة إلى توقيع (الاتفاق الثلاثي). بعدها انتقل خالد العظم والصاغ سالم إلى بيروت في محاولة لضم لبنان إلى (الاتفاق). قابلوا الرئيس كميل شمعون، الذي قال لهم بحضور رئيس وزرائه سامي الصلح، إنه يرى «عدم تفرقة كلمة العرب... ثم أعلن عن استعداده للتوسط بين مصر والعراق»، فأجابه صلاح سالم «بأن مرحلة الوساطة قد انتهت». لم يكن العظم مؤيداً للوحدة السورية المصرية، عام 1958، اقترح أن تقوم على أسس اتحادية تحافظ فيها سورية على كيانها ونظامها الديموقراطي. وأعتبر ما سمِّي في لبنان (ثورة 1958) حركة قامت بتشجيع من عبد الحميد السراج وبتمويله. ثم ضاق ذرعاً بالاستبداد، فتطلع إلى الحريات في بيروت. يقول: «ما إن عبرت الحدود اللبنانية حتى تنشقت بملء رئتي هواء الحرية وشعرت كأن كابوساً ثقيلاً نزل عن كتفي». انفكت عرى الوحدة بين الإقليمين السوري والمصري في 28 أيلول 1961م، بينما ظل التيار العروبي اللبناني على ولائه لعبد الناصر، وشكل لبنان في انفتاحه على التنوع والحريات العامة، بيئة مناسبة للنشاط الناصري المعادي للحكم القائم في سورية، فأبدى العظم شكواه من سياسة الحكومة اللبنانية العدائية، وأكد للبطريرك المعوشي، الذي دعاه للغذاء، «بأننا نريد أن يكون بين لبنان وسورية أوثق العلاقات الأخوية، سواء في الحقل السياسي أو الحقل الاقتصادي»، فاقترح البطريرك على العظم لقاء الرئيس شهاب، فكرر له العظم ما قاله للبطريرك، فأكد له الرئيس شهاب «أن ظروف لبنان، وخاصة أوضاعه الطائفية، توجب على الحكام أن يكونوا على الحياد». * كاتب سوري