لم تصمد طويلاً التطمينات الرسمية في المغرب في شأن عدم ترخيص السلطات الصحية لتسويق حشوة تكبير الثدي المصنعة من سليكون «PIP» الذي أرعب أكثر من 300 ألف امرأة يحملنه حول العالم إثر الاشتباه في أنه يتسبب بسرطان الثدي. وبعد التدقيق في صفقات عمومية لوزارة الصحة، خلال السنوات الأخيرة، تبين أن سليكون «بولي أمبلنت بروتيس» المستخدم في الأصل لحشو «الفُرش» دخل المغرب بترخيص رسمي للتسويق 2005 واستقر بالفعل في أثداء نساء كثيرات. خلال شهر واحد فصل بين إعلاني السلطات الصحية، نفياً ثم تأكيداً، أي من نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2011 ولغاية كانون الثاني (يناير) 2012، وتوجيه السلطات دعوة عامة لنزع الحشوة المسرطنة احترازاً، استئصل فقط 15 ثدياً صناعياً من صدور مغربيات تتراوح أعمارهن بين 25 و55 سنة وكنّ خضعن لعمليات تكبير الصدر في مستشفيات مغربية خلال السنوات العشر الأخيرة، أي منذ بدأ تسويق هذه العلامة التجارية عالمياً. 150 جراحة تجميلية شهرياً ويُرتقب أن تتواصل عشرات الجراحات لاستئصال الحشوات الرديئة، بعد تعهدات قدّمتها السلطات الصحية وجمعية جرّاحي التجميل المغاربة وهيئة الأطباء بمجانية عمليات الفحص والاستئصال. ولعل من أهم المعطيات ذات الصلة بتجميل الصدر بين نساء المغرب، التي تكشّفت إثر هذه التطورات، أن عدد الجراحات التجميلية ارتفع كثيراً في الآونة الأخيرة، أي قبل الأنباء عن المادة المسرطنة، من 800 أو ألف في السنة إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم، بمعدل 150 إلى 200 عملية شهرياً. وتأكد حمل 50 مغربية لحشوة «PIP»، في حين تميل تقديرات المتخصصين والمتابعين ميدانياً إلى حصر عدد ما تم تسويقه من هذه العلامة التجارية في المغرب في مئة حشوة على أكثر تقدير. ومن الواضح أن التقديرات تميل إلى التقليل من احتمال توسع قاعدة حاملات الأثداء الاصطناعية المحشوة بسليكون «PIP»، على غرار ما سارع رد الفعل الأول (المتسرع) إلى نفي استخدام «PIP» في المغرب، عقب تفجر الفضيحة في فرنسا مباشرة ودعوة 30 ألف فرنسية إلى نزع السيليكون السيئ. وتطلبت سياسة احتواء حالة الهلع في صفوف المعنيات الحفاظ على خطاب الطمأنة حتى اليوم. فالوزير المعين حديثاً حرص، في تصريحات صحافية عدة، على تأكيد الصبغة الاحترازية للدعوة، لأنه، كما يقول، لا علاقة سببية ثابتة علمياً حتى الآن بين الإصابة بسرطان الثدي وحمل حشوة «PIP» القابلة للتفسخ والتمزّق داخل الصدر فالتسرب إلى الأنسجة المحيطة ومن ثم عرقلة إزالتها. ومن باب الحرص أيضاً، كان لفت الانتباه إلى أن الشركة المحلية التي سجلت العلامة التجارية المشتبه بخطرها الصحي توقفت أنشطتها تماما العام 2010. وأفادت التصريحات أيضاً بأن الشركة لم تكن ملزمة قانوناً تسجيل العلامة. وللسبب ذاته، يحتمل أن شركات عدة لم تقم بالمبادرة نفسها لدى المصالح المتخصصة وسوّقت المنتج في المغرب مستفيدة من تدنّي سعره ومن الفراغ القانوني في مجال عمليات الاستيراد والإقبال المطّرد على تقويم الثدي. وبتوافر أكثر من مستورد للمنتج، يستبعد أن يكون العدد المطروح في السوق المحلية في حدود مئة حشوة. زد على ذلك أن تسويقاً لمدة خمس سنوات، من الشركة المحلية المعروضة قضائياً لتصفية أعمالها، لا يرجح أن تنحصر محصلته في بيع عدد صغير جداً من الحشوات. وكما تسود فوضى في تقنين عمليات استيراد المستلزمات الطبية، تسود فوضى مماثلة في قطاع طب التجميل. وتعتبر جراحة التجميل والتقويم من القطاعات الصاعدة في المغرب وذات شهرة دولية تجلب إليه ما يسمى السياحة الطبية. لكن الجرّاحين المتخصصين، وعددهم نحو خمسين طبيباً على مستوى المغرب، يؤكدون عبر جمعيتهم عدم استخدام منتج السيليكون المسرطن. وإذا افترضنا أن هؤلاء التزموا الحيطة من «PIP» قبل أفول شهرته العالمية، فإن زملاء لهم من خارج الاختصاص لم يتوخوا الحذر بالضرورة، وزرعوا حشوات ضعيفة الجودة في صدور زبونات يبحثن عن السعر الأرخص لدى غير الاختصاصيين، أو يجهل بعضهن التمييز بين الاختصاصي والمتطفل على المهنة الذي ربما باعهن خدماته بالسعر نفسه المتداول في السوق. صورة الذات ومهما كان الغموض المحيط بالعدد الحقيقي للمغربيات حاملات السيليكون المسرطن، ومدى انتشار المنتج في السوق السوداء، فإن دعوة استئصال الحشوات مجاناً لم تلق استجابة واسعة. ويظهر أن الآثار النفسية والاجتماعية، أكثر من التخوفات الصحية من الاستئصال، تهيمن على المعنيات، إذ أن غالبية النساء ال15 اللواتي استجبن فعلاً زُرعت لهنّ أثداء اصطناعية بديلة لما استأصلنه، وبجودة مضمونة، على حسابهن الخاص أي بكلفة تناهز 2300 دولار. الأرجح أنه استثمار نفسي واجتماعي وصحي ومادي، يتعلّق بصورة المرأة عن نفسها وفي عيون الآخرين. وهو من الصعب أن يتكرر، لا سيما إذا كان الوضع المادي للمستثمرات غير مريح وتغطية كلفة ثدي بديل تحتاج إلى وقت لتوفير المال. لكن ما دامت الأدلّة العلمية على تسبّب سليكون «PIP» بسرطان الثدي غائبة، وهو ما قام عليه خطاب الطمأنة المحلي، فإن الاستجابة لدعوة الاستئصال قد تسير بوتيرة بطيئة، مع خطر بقاء المنتج في السوق السوداء واستمرار تطاول غير الاختصاصيين على جراحة التجميل.