أحياناً أقسو على بلاتر وفريقه لما يشتمّ من رائحة فساد تخرج من مدخنة قصر زيوريخ، وهو ما وثّقه خبراء في التحرّي حول الفساد والتلاعب بأموال تدخل خزينة الفيفا في عصر عولمة الكرة وتفوّقها على السياسة في عالم اليوم. قد تكون القساوة نابعة من أنّ هذه اللعبة الشعبية استطاعت أن تعوّض شعوباً كثيرة عن إخفاقاتها في مجالات المردود الاقتصادي والوضع الاجتماعي، فأصبحت مأوى الانهيارات النفسية، وكأنها المسكّن الأكثر قدرة في ضمان السلم الاجتماعي الذي تبتاعه بلدان كثيرة بالمال.. والمال وحده. لكل هذا فإن فساد الفيفا يكون مدعاة للنقد، ولكن ليس بلاتر وحده، أو زبانيته من رؤساء الاتحادات الكروية الوطنية، من يمارس التلاعب بالمال، فهناك فساد أكثر شراسة في الأندية والمنتخبات. توقفت وكالات الأنباء طويلاً عند خبر معاقبة اثنين من كبار المشرفين على الكرة بالصين، لتلاعبهم بنتائج مباريات في دوري البلد الأكبر سكاناً في العالم.. ولم ترحم المحكمة هذين الرجلين، ورمت بهما في سجن مظلم. وكانت محاكمة هذين الفاسدين شبيهة بالمحاكمة الشهيرة التي أعقبت وفاة الزعيم ماو تسي تونغ، التي أطلق عليها عصابة الأربعة، بينهم أرملة ماو، المتهمة بتدبير انقلاب في الحزب الشيوعي الصيني آنذاك.. ولأنّ الفساد السياسي لا يختلف عن الفساد الرياضي في بلد يعرف عنه انضباطه في كل شيء، حتى في انجاب الأولاد.. إذ لا يحق للمواطن الصيني أن ينجب أكثر من طفل، وإذا ما زاد على ذلك فمصيره لن يختلف عن الفاسدين سياسياً أو رياضياً. وفي تركيا، كانت محاكمة المتلاعبين في نتائج مباريات الدوري التركي، إذ تحمل نادي فينربخشة العبء الأكبر، أكبر المحاكمات في تاريخ الرياضة التركية، وصارت حديث الشارع التركي أكثر مما هي محاكمة الضباط المتآمرين على حكومة طيب أردوغان. ومثل هذا حدث في ألمانيا وإيطاليا وبعض بلدان أوروبا الشرقية، إذ تحول التلاعب والمراهنات بالنتائج إلى ثقافة سائدة، لأنها تدر أرباحاً على شبكات الكسب من الجلد المنفوخ (..) أو ما أطلق عليها مافيا الكرة. في كلمة أمام الجمعية العمومية للاتحاد الجزائري لكرة القدم أفاد محمد روراوة عضو اللجنة التنفيذية للفيفا، أن هذا الأخير وقّع اتفاقاً مع الشرطة الدولية (أنتربول) لملاحقة الفاسدين في الكرة ومعاقبتهم، أي أولئك الذين يقومون بالبيع والشراء وتهريب الأموال التي تُجنى من عمليات مخالفة للقانون، ومضرة بصورة اللعب النظيف الذي يسعى الفيفا إلى ترسيخه في ملاعب العالم. وذكّر روراوة إلى أنه سيعتمد على هذا الأسلوب في تسيير كرة القدم الجزائرية التي بدأت تظهر فيها مؤشرات التلاعب ببعض النتائج، وأشار إلى أنه سينسق مع أسلاك الشرطة والقضاء لمحاربة هذه الآفة التي يمكنها أن تنخر جسد الكرة الجزائرية في سنوات الاحتراف الأولى.. وهو عنف أخلاقي لا يختلف كثيراً عن العنف الذي تشهده الملاعب، وهو الذي يتطلب معالجة قانونية ونفسية. إنّ حماية الكرة من ثقافة الكسب غير المشروع، وتدميرها من الداخل، تستدعي تضافر جهود القائمين على شؤون الكرة، والمؤسسات القانونية، ووعي المجتمع بضرورة حماية اللعبة التي تحمل للناس متعة وفرجة يفتقدونها في ملاعب.. السياسة. [email protected]