حدثني الحاج محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم منذ أيام عن عمل يقوم به لضمان استمرارية الحضور الكروي المحترف للجزائر من خلال عملية الرصد المتواصل لمختلف الملاعب الأوروبية والعالمية، حيث يلعب جزائريون من أبناء المهجر. وتم إحصاء ما يربو على 20 لاعباً محترفاً في بطولات فرنسا واسبانيا وإيطاليا وألمانيا والدول الاسكندنافية وكذا في أوروبا الشرقية، لم يسبق لهم أن لعبوا للجزائر في أي من الفئات العمرية، بل إن كثيراً منهم لعب لمنتخبات البلدان التي ولدوا ونشأوا فيها. وأعمارهم لا تتجاوز 24، أي أنهم مؤهلون للعب مونديال 2022. وهم مستعدون للعب ضمن منتخبات بلدهم الأصلي وتكرار تجربة زياني وبوقرة وعنتر ومغني ولحسن وجبور وغزال وغيرهم. وقال لي روراوة إنه يفكر في إقامة معسكر تدريبي لكل هؤلاء اللاعبين بعد «المونديال» وبحث كيفية الاستفادة منهم باعتبارهم يلعبون في مستويات احترافية عالية وضمن الأقسام الممتازة، وإن عدم الاستفادة منهم يعني تضييع فرصة كالتي ضاعت مع زيدان وناصري اللذين لعبا للديكة الفرنسية. إن الكرة الجزائرية والعالمية أيضاً مدينة لروراوة الذي نجح في تحرير مئات اللاعبين الذين تقمصوا ألوان منتخبات أجنبية ثم غادروها ولم تتجاوز أعمارهم 21 عاماً في استعادة حقهم في اللعب لبلدانهم الأصلية، وعلى رغم ممانعة بلاتر وبلاتيني وبعض الأوروبيين تبني هذا المقترح، فإن مؤتمر الباهماس كان ثورة حقيقية بالقضاء على ثقافة استعباد اللاعبين وسيطرة الشمال دائماً. ومن دون شك فإن إزالة هذا الحاجز جعل كثيراً من اتحادات الكرة الأفريقية خصوصاً تستعيد عصافيرها المهاجرة باستخدام هذا الحق الأولمبي. ولعل لجوء بعض الاتحادات، ومنها الجزائري، إلى توظيف ما تنص عليه قوانين الجنسية من حق اللاعب أن يستفيد من جنسية أمه إن كانت جزائرية مثلاً في أن يلعب للبلد الذي تنتسب إليه أمه، وأعتقد أن في البلدان العربية توجد حالات كثيرة شبيهة وفي رياضات مختلفة، قد تغني عن التجنيس واستيراد الرياضيين للعب تحت الألوان الوطنية، لأن رابطة الدم أقوى من رابطة المال ولو رفعت الراية في محافل كثيرة.. فهي انتصارات فاقدة للروح والمذاق. قد تكون اليابان أكثر بلدان العالم تصديراً للمنتوجات التكنولوجية من الهاتف النقال إلى السيارة والقطار، لكن البرازيل تظل أكثر شعوب الأرض إنتاجاً وتصديراً للاعبين وتقمصاً لألوان بلدان عدة لأن حظوظهم في اللعب للسامبا كحظي في الصعود إلى عطارد أو الزهرة ... وهو ما يعني أن العولمة فرضت منطقاً جديداً مفاده أن الجنسية ليست معياراً للوطنية، وأن جنسية المرء في جيبه، ويبقى ما يقوم به روراوة وبعض الشرفاء اليوم هو نوع من مقاومة إفرازات العولمة بتغليب منطق الجزأرة والعوربة والأفرقة للحفاظ على الحد الأدنى من الوطنية وروح الانتماء التي لم تقتلها الإغراءات والوعود التي كثيراً ما تنتهي بلاعبين موهوبين على دكة الانتظار حتى الإحالة على المعاش للعب ضمن الديكة أو السكوادرا أو المانشافت.. وقديماً جاء في الحكمة الشعبية «الصبر نبات مر ذو فاكهة حلوة».. واللاعب الذي انتظر فرصة ليصير ديكاً ولم تأت.. يكون أكثر سعادة عندما يصير محارباً في صحراء روراوة. [email protected]