في 12 شباط (فبراير) فاز هنريكيه كابريلس رادونسكي البالغ من العمر 39 عاماً وهو حاكم ولاية فنزويلية في انتخابات تمهيدية ليصبح مرشح المعارضة ضد (الرئيس الفنزويلي) هوغو تشافيز في الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الاول (اكتوبر) المقبل. لقد حصل على 1.8 مليون صوت في حصيلة مدهشة من بين ثلاثة ملايين ناخب، أي ضعف ما توقعته اكثرية التحليلات. في اليوم التالي، جرى تناول كابريلس وهو كاثوليكي مخلص، في تعليق نشره موقع الاذاعة الوطنية الفنزويلية على الانترنت والذي تديره الحكومة، بعنوان «العدو هو الصهيونية». وجاء التفسير ان كابريلس يتحدر من أصل يهودي. (في واقع الامر، نجت جدّته من المحرقة النازية وهاجرت الى فنزويلا من بولندا). وأوضح التعليق انه «لفهم المصالح التي يجسدها (كابريلس) من المهم التعرف الى الصهيونية، أي الايديولوجيا الاسرائيلية التي يمثلها بدهاء... وهي، من دون شك، ايديولوجيا ارهاب من أحقر المشاعر الانسانية؛ تفترض جعل الاندفاع الوطني مرتكزاً على الجشع»... وهكذا دواليك. ويخلص التعليق الى ان «الصهيونية تملك اكثرية المؤسسات المالية في الكوكب وتسيطر على ثمانين في المئة من اقتصاد العالم وتقريباً على كل صناعة الاتصالات، إضافة الى مواقع اتخاذ القرار في وزارة الخارجية الاميركية وفي القوى الاوروبية». هكذا بدأت احدث وأبشع حملة سياسية لتشافيز، الحاكم الذي امضى مدة حكمه كصديق صدوق لمعمر القذافي وبشار الأسد ومحمود احمدي نجاد، والذي يواجه اليوم انتفاضة محلية ضد حكمه. بيد ان ربيع فنزويلا يختلف عن ربيع ليبيا وسورية وإيران: وبدلاً من التدفق الى الشوارع، يسير الفنزويليون – الذين فاض كيلهم من الفوضى والعنف اللذين ميزا حكم تشافيز المستمر منذ 13 سنة - إلى صناديق الاقتراع وسيحاولون إحياء مؤسسات البلاد المشلولة والمعطلة. المعارضة التي يقودها كابريلس الآن تعلمت الدروس التي ربما تنفع بعض الثوار في الشرق الأوسط. حاولت طرد تشافيز عبر التظاهرات الضخمة والإضرابات وأخفقت؛ وقاطعت بغباء الانتخابات التي اعتقدت انها ستكون غير منصفة؛ انغمست في صراعات داخلية لا نهاية لها. كانت النتيجة ان الرجل القوي تخندق وهو الذي ألحق دماراً واسعاً ببلد كان الأغنى في أميركا اللاتينية وأصبح رئيساً للبلد ذي معدلات التضخم والبطالة الاعلى في نصف الكرة الغربي، وحيث ينتشر نقص الأغذية الاساسية والطاقة وتعم تجارة وتهريب المخدرات التي يعتبر وزير الدفاع واحداً من زعمائها. كان يمكن المعارضة ان تنقلب عنيفة، لكنها زادت مدنية بدلاً من ذلك. وأصر كابريلس على السعي الى السلطة سعياً سلمياً وبالوسائل الانتخابية، حتى عندما يكون الملعب قد حسم النتائج. سجنه تشافيز في 2004 بتهم زائفة، وحصل على البراءة وأذهل المرشح الذي اختاره تشافيز عام 2008 كحاكم لميرندا، الولاية الكثيفة السكان المحيطة بالعاصمة كراكاس. ويراهن بعض العاملين في استطلاعات الرأي الآن على قدرته على إلحاق الهزيمة بتشافيز، إذا حسبت الأصوات حساباً نزيهاً. ولا تركز حملته الانتخابية على «الزعيم» بل على البلد، وكيف يمكنه ان يعيد تجميع شظايا الاقتصاد والمؤسسات الديموقراطية وأن يحافظ في الوقت ذاته على البرامج الاجتماعية التي تحمي الفقراء. ويقول إن نموذجه هو بطل البرازيل الاشتراكي الديموقراطي، الرئيس السابق لويس انياسيو لولا دا سيلفا. ردّ تشافيز باستيراد الرطانة النافية للمحرقة النازية والتي يكررها احمدي نجاد، الذي رُحب به أخيراً في كراكاس. وحاول مصادرة أوراق الاقتراع من انتخابات المعارضة التمهيدية، ربما في مسعى لتحديد هوية المشاركين ومعاقبتهم؛ على غرار عملية استهدفت الموقّعين على عريضة في 2004. في هذه الأثناء، يصب (تشافيز) المال المقترض في الاقتصاد في جهد محموم لإعادة شراء التأييد. وتدعو الموازنة الحكومية الى زيادة 46 في المئة في الإنفاق في العام الحالي. واقترضت شركة النفط المملوكة للدولة 17.5 بليون دولار في العام الماضي ويتوقع ان تبيع ما بين 12 و15 بليون دولار كسندات اضافية. وهناك قرض بثلاثين بليون دولار من الصين يتعين تسديده بنفط متدني السعر. ولعل المستقبل بعد تشرين الاول لا يهم تشافيز كثيراً. وبعد خضوعه لجراحة بغية استئصال السرطان في كوبا في حزيران (يونيو) الماضي، لم يكشف تفاصيل مرضه، فيما ورد في أكثر من تقرير اجنبي انه يعاني مرضاً خبيثاً غير قابل للشفاء. ويمكن بالاستناد الى صور وجهه المنتفخ تصديق تقارير مصادر المعارضة عن اعتماده على جرعات كبيرة من المنشطات للبقاء قادراً على العمل حتى تشرين الاول. ويخشى فنزويليون كثر من ان تكون البلاد ماضية، على نحو أو آخر صوب الانهيار. فالجنرالات المقربون من تشافيز يمكن ان يعترضوا على فوز كابريلس؛ وإذا فاز تشافيز ثم مات سيحل الفراغ. وفي الحالتين قد ينهار الاقتصاد ما ان يتوقف الإنفاق المفرط على الانتخابات. لهذا السبب، يبدو الترتيب والاعتدال اللذان يتصرف بهما كابريلس والمعارضة صادمين. فهما لا يبدوان كحملات ايديولوجية او حزبية يائسة لاستعادة ما يشبه النظام السياسي والاجتماعي في بلد يتفكك - وفي ذلك قبضة من الحداثة التي ظهرت في البرازيل وتشيلي. هل تأخروا كثيراً؟ سنعلم في الأشهر السبعة المقبلة. * صحافي، عن «واشنطن بوست» الاميركية، 20/2/2012، إعداد حسام عيتاني