ليس إقدام ايران على منع بيع النفط للشركات البريطانية والفرنسية نظير مقاطعة لندن وباريس اقتصادياً. فشركة «بي بي» ليست الشركة البريطانية الوحيدة التي تشتري النفط لمصلحة لندن. وعدد من الشركات المتعددة الجنسية يشتري النفط الايراني، وعلاقات بعض هذه الشركات وثيقة بطهران. ولم يكن أمام ايران إلا ان تتخذ مثل هذا القرار. فالحكومات لا تشتري النفط. وتتولى الشركات معاملات البيع والشراء، ويسع الدول المصدرة للنفط ان تلزم الشركات التي تتعامل معها عدم تحويله الى جهة أخري غير تلك الوارد ذكرها في عقد البيع. وعليه، يمكن وضع بعض العوائق الفنية والتقنية التي تحول دون وصول النفط الى أوروبا. لكن العقود المبرمة قبل تشديد العقوبات على إيران لم تنص على حظر تحويل النفط الى جهة غير مذكورة في العقد. خطوة الامتناع عن بيع النفط للدول الأوروبية في محلها، ومثلما يحق للأوروبيين ان يختاروا شراء النفط من إيران أو من بلد آخر، يحق لإيران، الجهة البائعة، ان تختار من يشتري نفطها. خصص الأوروبيون ستة اشهر من اجل زيادة مخزونهم النفطي خلال فصل الربيع الذي غالباً ما تنخفض فيه اسعار النفط قبل التوقف عن استيراد النفط الايراني والانقطاع عن شرائه. ومن جهة اخري، حددوا مهلة زمنية لدول نفطية عربية من اجل زيادة صادراتها، في وقت تعد المصافي الاوروبية الترتيبات الفنية لاستقبال النفط من مصادر اخري. وسعت ايران إلى التأثير في تطور الحوادث، وتوسلت نهجاً توصي به الديبلوماسية في أحوال كثيرة من اجل كسب احترام الآخرين. ومقاطعة الشركات البريطانية والفرنسية قد تثني دولاً اخري مثل كوريا الجنوبية واليابان عن مقاطعة النفط الايراني، وتحملها على عقد اتفاقات بعيدة الأجل مع ايران لشراء النفط. فعلى سبيل المثل، أجرت وزارة النفط مفاوضات مع اليابان حول استثمار حقل ازادكان النفطي، وتزامنت هذه المفاوضات مع بدء التجاذبات مع المجتمع الدولي حول الملف النووي. ولم يخف علينا ان اليابانيين سيتأثرون بهذا الملف ومآل الامور، وكان حسباننا في محله. لكن الوزارة أفلحت في ادارة عقد الاستثمار ادارةً ناجحة، وأبرمت الصفقة في حقل ازادكان، على رغم الصعوبات والعقوبات علي ايران. وفي الظروف الراهنة، تبرز الحاجة الى رصد النقاط التي تختلف فيها المصالح الاوروبية عن المصالح الاميركية، وتوسل ثغرات المواقف بين الاوروبيين والاميركيين من اجل تحقيق مصالحنا. * المعاون السابق لوزير النفط الايراني، عن «ملت» الايرانية، 20/2/2012، اعداد محمد صالح صدقيان