بعض البرامج الحوارية التي تعرضها الفضائيات لمناقشة القضايا المتعلقة بالشأن الاجتماعي السعودي تنصب لضيوفها «الفارغين» ثقافياً المشانق في ذاكرة المشاهد الذي ظل لأعوام يعتقد أن فلاناً أو علاناً من الناس شخص مثقف، أو صاحب رؤية قبل أن يتعرى صاحبه على الملأ من كل ما يمكن أن يدعو الآخرين لاحترامه أو احترام رؤيته. من البرامج المشار إليها برنامج «اتجاهات»، الذي تقدمه الإعلامية السعودية «الداهية» نادين البدير على قناة روتانا خليجية بحياد تام، يمنح الضيف الفارغ فرصة إسقاط نفسه أمام الملايين من دون تدخل من أحد، وهذا بالضبط ما حدث في حلقة من البرنامج عُرضت أخيراً واستضافت شخصاً عُرف بنشاطه الشرس بعد أن أخذ على عاتقه مهمة توزيع الاتهامات على الناس، مشككاً تارة في عقائدهم، وتارة أخرى في أصولهم أو توجهاتهم السياسية، أو حتى سلوكياتهم، متبعاً في ذلك أسلوب استعداء الآخرين على كل من لا يتفق مع أجندته الخاصة. الضيف الذي بدا مرتبكاً مهزوزاً، تتراجف أطرافه، وتتغير ملامحه بين كل دقيقة وأخرى، صُدم أثناء البرنامج بأن أحد خصوصه اتبع معه أسلوبه نفسه، ووجه له اتهاماً بأنه جزء من منظومة إرهابية. فما كان من هذا الأكاديمي إلا أن تعرّى من كل الحيل التي كان يمارسها وانفجر مردداً: «إذا أنت رجال تعال». والحق أقول إنني كدت أستلقي على ظهري من شدة الضحك وأنا أتابع رد فعله الذي أسقط نفسه أمام الملايين من المشاهدين من دون شعور منه، كاشفاً عن شخصيته الحقيقية، وهو أمر محمود في نهاية المطاف، كون هذا الشخص تحديداً ظل لفترة طويلة يحرض الجهلة عبر شبكات التواصل الاجتماعي على أشخاص، أو جهات معينة، ما يعني أن كشفه عن فراغ تفكيره كفيل بانفضاض المولد عنه «كما يقول أشقاؤنا المصريون». يجدر بي هنا أن أوضح أن حال «الاحتقان» التي ينفخ في كيرها أمثال هذا الشخص بين فئات المجتمع ليست سوى «وهم كبير» يحاول البعض تضخيمه هنا وهناك، وتسويقه بين الجهلة بهدف توظيفه لخدمة أجندات مريبة لا تريد الخير لهذا الوطن على الإطلاق. إنني في الوقت الذي أشكر فيه كل معدٍ ومقدم برنامج حواري مهمته إسقاط الأقنعة وكشف التصورات الزائفة عن بعض الشخصيات الناشطة اجتماعياً أو إنترنتياً، أتمنى أن تتكفل أي جهة رسمية أو غير رسمية برصد كل ما يدور في هذه البرامج وحفظه وأرشفته، وتمكين الباحثين ومعدي الدراسات المتخصصة من الاستفادة منه لفهم حقيقة «المكارثيين الجدد» وأهدافهم ودوافعهم، ودوائر نجاحهم وسقوطهم، وشبكات العلاقات التي تربطهم بغيرهم في الخارج والداخل، فقد أصبح ذلك مطلباً ملحاً، خصوصاً أن ولي الأمر وجه منذ أعوام بتفعيل «الحوار الوطني» بين مكونات المجتمع كافة، لكن ثبت أن هناك من يحاولون دق الأسافين بين السعوديين، وتبني مشروع توزيع الاتهامات على الناس، والتحريض ضدهم، وتجييش المجتمع في فئتين لضرب اللحمة الوطنية، كما ثبت أن ظهور هؤلاء في برامج تلفزيونية لمواجهة خصومهم كفيل بسقوطهم وتحويلهم إلى «أيقونات» مضحكة بعد كشف هشاشتهم بشكل يدرأ شرهم عن البلاد والعباد. [email protected] @Hani_AlDhahiry