يجتمعون غالباً في المقاهي الأنيقة بشارع "الحمرا" الشهير، مجموعات صغيرة من الشباب اللبنانيين المهووسين بالقراءة يشكلون نوادي للكتب، تسترجع مناخات الصالونات الأدبية القديمة التي احتضنتها بيروت كمركز ثقافي كبير في الشرق، قبل اندلاع الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي. مبادرة فردية أسست هدى مرمر (27 سنة - بكالوريوس في العلوم والبيولوجيا) نادي الكتاب الخاص بها "بوكهوليكس" (Bookoholics) في حزيران (يونيو) 2012 بعد تحضير استمر أشهراً عدة تم خلالها التواصل افتراضياً مع مستخدمي شبكة "غودريدز" (Goodreads) في لبنان. ويعتبر النادي اليوم من أنشط النوادي الثقافية اللبنانية بوجود 10 أعضاء دائمين فيه إضافة لعشرات الأعضاء-الضيوف الذين لا يستطيعون حضور الاجتماعات الشهرية بشكل منتظم. وناقش النادي حتى اليوم 44 كتاباً بالعربية والإنكليزية وحتى بالفرنسية، لتتحول الفكرة الفردية بقليل من الجهد والتنظيم إلى واقع ملموس. وتقول مرمر: "أردت إنشاء ناد للقراءة منذ 2009 في الجامعة لكنني لم أجد أصدقائي وزملائي متحمسين للموضوع، وكذلك الأمر بالنسبة لإدارة الجامعة والمكتبة. لم أنس الموضوع، كنت أريد أن أتحاور في الكتب مع أشخاصٍ يحبون القراءة مثلي. كنت أقرأ دائماً في المكتبة العامة، في مكتبة الجامعة، في المقاهي وفي المنزل. وكنت أتمنى لو أن هناك أشخاصاً يستطيعون مشاركتي حبي للمطالعة والتحاور معي ومناقشة الكتب واقتراح كتب جديدة استكشافها. لطالما أحسست أنها ستكون تجربة غنية، ممتعة". القراءة فقط تجمع نوادي الكتب أشخاصاً لا روابط بينهم سوى حب القراءة. فيها يتجاور ويتحاور قراء من مختلف الأعمار والمهن والاختصاصات، من طلاب الجامعات إلى ربات المنازل مروراً بالموظفين. رحاب السبعلي (25 سنة، مهندسة مدنية، Bookoholics) تصف نادي الكتاب بأنه "المنزل والعائلة الجديدة لي، وتحول أعضاؤه إلى أصدقاء حميمين" :"نشاهد المسرحيات والأفلام معاً، نقرأ معاً، ونقوم بكثير من النشاطات معا؛ هم لطيفون ومن الجيد قضاء الوقت مع أشخاص يشاركونني الاهتمامات ذاتها". وترى السبعلي أن الاختلافات الكبيرة بين أعضاء النادي يجعل من التجربة ككل أكثر غنى: "لم أتخلف عن حضور موعد في النادي أبداً، أتبادل الكتب مع أصدقائي فيه وصرت أقرأ أكثر، فيما تنوع الأذواق جعلني أتعرف إلى أنواع جديدة من الكتب ووجهات النظر والأفكار المختلفة حولها، غير النادي حياتي". وتعرفت إيزابيل فاخوري (29 سنة، طالبة دكتوراه في البيولوجيا الخلوية، Lebanon book club) إلى أشخاص من اختصاصات متعددة لم تكن لتقابلهم لولا انضمامها للنادي قبل فترة، كما تقول. وهي تؤكد أهمية تبادل الآراء المختلفة في النادي، "على المستوى الشخصي من ناحية تقبل الآخر مهما كان بعيداً عنا، ومن ناحية مقاربة الأشياء بوجهات نظر متعددة في الوقت ذاته، فضلاً عن تشجيع النوادي على القراءة عن طريق الروابط الاجتماعية الجديدة". نشاطات واقعية وافتراضية وإضافة إلى القراءة والمناقشة، بدأ نادي "Bookoholics" في الفترة الأخيرة تنظيم لقاءات بين أعضائه وكتاب لبنانيين وعرب مقيمين في لبنان لمناقشة أعمالهم وجهاً لوجه. وفي هذا السياق تشرح مرمر (إحدى العضوات): "اجتمعنا مع الكاتبتين إميلي نصر الله وفاطمة شرف الدين، ومع الكاتب السوري خالد خليفة، ويجري التحضير للقاء الكاتب العراقي سنان أنطون". وبدأ نشاط "Bookoholics" يتوسع على العالم الافتراضي مع إنشاء "Bookoholics Online Book Club" على "غودريدز" و"فيسبوك"، الذي يناهز عدد المشتركين فيه 9 آلاف يناقشون فيه الكتب افتراضياً عبر الشبكة، إضافة لإجراء عمليات تصويت لاختيار الكتب التي سيقرأها الأعضاء كل شهر. ولم تكتسب فاخوري بعد انضمامها ل "Lebanon book club" عادات جديدة في القراءة التي تشكل هوسها في الحياة فحسب، بل طورت أيضاً مستواها في المناقشات العلنية والتعبير عن الأفكار من دون خوف، كما تقول، مضيفة أن ذلك أوصلها إلى إنشاء مدونة إلكترونية انكليزية خاصة بالكتب "Book Lovers Book Club" هي الثانية فقط بهذا التخصص في لبنان. ليس في بيروت فقط والواقع أن نوادي الكتب، التي تعتبر نشاطات قديمة يعيد إحياءها الشباب اللبناني اليوم، لا يقتصر وجودها على العاصمة بيروت بل تمتد إلى مدن أخرى كصيدا وطرابلس وصولاً إلى القرى الصغيرة. لكن إحصاءها يبقى مهمة مستحيلة لأنها عبارة عن تجمعات صغيرة غير رسمية وأقرب للعلاقات الفردية والصداقات. وليس مستهجناً أن تسمع وأنت تتناول كوب قهوتك المفضل في شارع "الحمرا" أصداء المناقشات الرصينة حول كتاب ما، فيما ترى حولك القراء المتناثرين على المقاعد وهم غارقون في كتبهم.