الأسبوع الماضي، وربما للمرة الأولى، وكما نقلت لنا هذه الصحيفة في عددها الصادر الثلثاء الماضي، تأكيداً من أصحاب محال الورد على مختلف أنواعها الطبيعية، والمجففة، أنها لم تتعرض لأي مداهمات، أو مصادرة لبضائعهم من هذه الأشكال، وقال الخبر إن الورد حضرت في الشوارع، وإن كانت تتوارى عن الأنظار في بعض المحال، ربما كان هذا الخبر لا يشكل أهمية للكثير من القراء إلا أنه يسجل لنا خطوات إيجابية في طريقها للمجتمع، وقال الخبر إن بعض المحتسبين اكتفوا بتحذير البائعين من بيعها بدعوى أن ما تدره مادياً يدخل في نطاق المال الحرام، جميل هذا الخبر لأنه يمثل الجانب الحقيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دون تهجم أو عنف، وهذا هو المهم في الموضوع، كان اللون الأحمر، على رغم أنه عادة يرتبط في رمزه بالدماء مكبلاً بالحب تحديداً في يوم 14 شباط (فبراير)، وكانت الأشكال الحمر هذه مزعجة ومقلقة لكثير من الموسوسين في مجتمعنا بعلاقتها المباشرة مع المسمى «فالنتاين»، ومن هنا كان لا بد من اجتثاثها ومصادرتها حتى لا تكون أداة جاذبة للمحبين. الأمر الذي يشعل موجة الأسئلة في أدمغتنا بشكل ذهني عاصف يجعلنا نفكر، ونقول: لماذا يا تُرى نطارد الحب في كل مكان، ونحتوي الكره في كل مكان؟ لماذا يحلو لنا مطاردة الحب بين الناس، سواء كان فردياً، أو أسرياً، أو اجتماعياً؟ لماذا نشوه الحب ونطبق على جميع أنفاسه المشتاقة للتقارب والتصالح مع الذات الإنسانية؟ لماذا نحاول قتل أشجاره الخضر لو أنبتت أعشابه اتساعاً للإيقاع بين جذور الحب في شرايين أضلاع البشر؟ ما الدافع الذي يحرض ضد الحب في جميع شعاراته الطبيعية بين أفراد المجتمع؟ ما الذي دهى المجتمع لينقلب على فطرته ويحتفي بالبعد ليصبح المجتمع معقلاً لكل أدوات الكره، وطارداً لبيئة الحب في أجمل معانيها تآلفاً، ورحمة، وشفقة، واستشعاراً، وسلاماً. ليس بالضروري أن يكون يوم الحب مرتبطاً بالحب الذي تتوجس منه النفوس، وتخرس له الألسن، فهذا الحب لا يُحتفى به ولا يحتفل به لأن أساسه الخطيئة وولد في رحمها، ولكن الحب الذي يشرع نوافذ الألفة ويلم الشمل ويجمع البشر على مسارح التآخي والتوحد في المجتمع. الحب نظام فطري وإنساني يتدفق في أوردة البشر الأسوياء مهما حاولت أقليات الكره أن تردعه، أو تدحره، أو تجتثه من عروق البشر وأساريرهم، وإلا فما الفرق بين المجتمعات البشرية ومجتمعات الوحوش؟ بعض الشعوب تعتبر يوم الحب مظهراً اجتماعياً لا علاقة له بالديانة، أو التقليد للآخرين، بل منفذاً للتواصل بين الأقارب، والجيران، والأصدقاء، والمغتربين مثل الشعب البنغلاديشي، والفيليبيني، والهندي، الذي قال أحد مواطنيه المقيمين عندنا لإحدى صحفنا المحلية إنهم يقومون بتلوين «البيض، والحلوى» باللون الأحمر وبقية الألوان من باب التغيير ونشر الفرحة للتعبير عن المشاعر الإنسانية ولكسر رتابة الأيام الماضية. كم هي جيدة هذه الخطوة المعتدلة في التعامل مع مثل هذا اليوم، لتأتي منسجمة مع الواقع الذي يسيطر علينا بالملل الحياتي فغدونا بحاجة للتعبير عن الحب النبيل في مجتمعنا، لينسحب الروتين المندس في تلابيب أيامنا الراكضة مع الهموم، والعمل، نحن بحاجة للتعبير عن الحب في كل مظاهره البريئة، تعبيراً، وتنويراً، وانفتاحاً، وتأثيراً، لنغلق ملفات النفور التي تأرشفت في مفاصل مشاعرنا، وبدأت تتسلل إلى قلوبنا الشائخة بمظاهر التباعد، وافتقاد الحميمية الاجتماعية، التي كانت سائدة منذ القدم وافتقدها الناس بفعل الكثير من الأساليب الجديدة اللاهية في زمن الجفاء والركض خلف المعيشة. [email protected] @zainabghasib