مرة أخرى، تسير مساعي التهدئة جنباً إلى جنب مع التصعيد الدامي في الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ ثمانية أيام. وفيما أجتمعت عوامل عدة قد تدفع نحو اجتياح اسرائيلي بري محدود في قطاع غزة، مثل الحرب الداخلية في صفوف اليمين الحاكم في إسرائيل، ورفض «حماس» رسمياً المبادرة المصرية لوقف النار، إلا أن حظوظ التهدئة ما زالت قائمة بعدما تركت «حماس» الباب مفتوحاً أمام تعديل المبادرة المصرية. (للمزيد) وتتواصل مساع أخرى، منها التحرك التركي - القطري في أنقرة، والمساعي الأوروبية الممثلة بزيارة وزيرة الخارجية الإيطالية لتل أبيب أمس، ثم ما تردد عن مبادرة للرئيس محمود عباس سيبحثها في القاهرة وتدعو إلى وقف للنار في مقابل فتح معبر رفح باتفاق خاص مع السلطة. وأكدت «حماس» أمس أنها أبلغت القاهرة برفضها المبادرة المصرية في شكلها الحالي، لكنها لم تغلق الباب دونها. وقال مسؤول ملف الاتصال مع مصر غازي حمد لوكالة «فرانس برس»: «أبلغنا الإخوة في مصر بملاحظاتنا لتعديل المبادرة»، ومنها أن «تتضمن كلاماً واضحاً عن رفع الحصار كلياً عن قطاع غزة، بما في ذلك المعابر، وإطلاق المحررين في صفقة شاليت الذين تم اعتقالهم في الضفة». وأكد أن اتصالات ضعيفة تجري بين مصر والفصائل»، مضيفاً أن «أطرافاً أخرى، مثل قطر وتركيا، تقوم بتحركات أيضاً». وعزا نائب الأمين العام ل «الجهاد» زياد النخالة رفض الحركة المبادرة «كونها ساوت بين الجلاد والضحية»، معتبراً أن «الطريق ما تزال مفتوحة أمام مصر لتطوير مبادرتها». وأوضح مصدر فلسطيني مطلع أن «الفصائل، خصوصاً «حماس» و»الجهاد»، تعترض على استخدام كلمة الأعمال العدائية في مبادرة مصر للتهدئة لأن الفصائل تقوم بالدفاع عن النفس». في هذه الأثناء، تتواصل المساعي لوقف النار، وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس: «ما يشغلنا هو التوصل إلى وقف للنار وأن نرى ما إذا كان هناك سبيل لوقف الصراع والقتل حتى نعود إلى القضايا الحقيقية التي تسببت فيه. ونحن نبذل ما في وسعنا». وأشار الى إنه تحدث مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ووزير الخارجية المصري سامح شكري. من جانبه، وصل الرئيس عباس إلى القاهرة لإجراء محادثات لوقف النار مع كل من الرئيس عبدالفتاح السيسي والامين العام للجامعة العربية نبيل العربي ورئيس المكتب السياسي ل «حماس» خالد مشعل. وقالت مصادر مقربة من عباس إنه سيبحث مع الجانب المصري فتح معبر رفح باتفاق خاص مع السلطة الفلسطينية. وكان موقع «واللاه» العبري قال إن مبادرة عباس التي ينوي طرحها على السيسي، ولاحقاً على مشعل، تقضي بنشر عناصر أمنية تابعة له على معبر رفح وعلى طول الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومصر في ما كان يعرف ب «محور فيلاديلفيا»، وتطالب إسرائيل بإعادة فتح معبر «ايرز» تحت رقابة أجهزة الأمن التابعة للسلطة، وبهذا يكتمل عملياً رفع الحصار عن غزة. وكان مبعوث اللجنة الرباعية الدولية للسلام توني بلير أكد في مؤتمر صحافي بعد محادثات في القاهرة، أهمية أن «يأتي الطرفان للحوار وحماية الأبرياء، وتأكيد ليس فقط الرغبة في المفاوضات، بل يجب أن يكون هناك ربط بين الضفة وغزة». كما وصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في ساعة متقدمة من ليل الثلثاء - الأربعاء إلى أنقرة حيث التقى صباح أمس الرئيس عبد الله غول قبل أن يلتقي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وتأتي هذه المساعي في وقت تدق إسرائيل طبول الحرب، إذ تدور «حرب داخلية» بين نتانياهو وأقطاب اليمين المتشدد في حكومته بسبب قبوله المبادرة المصرية ورفضه تنفيذ عملية برية. وتوقعت أوساط سياسية وإعلامية أن يضطر نتانياهو، حيال هذه الضغوط، إلى تصعيد العملية العسكرية لتشمل عملية برية محدودة النطاق. وقال مسؤول إسرائيلي بعد اجتماع الحكومة الأمنية ليل الثلثاء - الأربعاء إن «الاتجاه هو لاستئناف الغارات الجوية، على أن يتبعها دخول تكتيكي ومحسوب للقوات البرية إذا احتجنا ذلك». وقررت إسرائيل نشر 3 بطاريات لاعتراض الصواريخ في إطار نظام «القبة الحديد». وطبقاً لتعليقات المحللين العسكريين، فإن هدف مثل هذه العملية المحدودة سيكون هدم عشرة أنفاق على الأقل قريبة من الشريط الحدودي لمنع عمليات تفجير تخطط لها «حماس» عبر هذه الأنفاق. وقال القائد السابق للاستخبارات العسكرية عاموس يادلين إن الحملة على الأنفاق أمر ملح، ودعاها «ثاني أكبر خطر بعد الصواريخ الطويلة المدى... وربما يعتبرها البعض الخطر الأساسي». ميدانياً، وبعد ساعات على رفض «حماس» المبادرة المصرية، شهد قطاع غزة قصفاً جوياً وبرياً وبحرياً هو الأعنف منذ بدء العدوان، وإن كان لشمال القطاع وشرقه النصيب الأكبر من القصف. كما نفذت الغارات المتلاحقة «مجزرة منازل» غير مسبوقة استهدفت للمرة الأولى منازل قيادات من الصف الأول في «حماس»، من بينهم محمود الزهار ووزير الداخلية السابق فتحي حماد. وأرسلت إسرائيل رسائل عبر الهواتف لنحو 100 ألف فلسطيني يقطنون في حيي الشجاعية والزيتون شرق غزة وجنوبها تأمرهم فيها بالرحيل عن منازلهم. وحتى مساء أمس، استشهد 16 فلسطينياً، من بينهم أربعة أطفال من عائلة واحدة، ما رفع عدد شهداء إلى نحو 213، كما بلغ عدد النازحين نحو 17 ألفاً.