تغيب ثلاثة من المشاركين في الندوة الثانية، التي عقدت أمس في قاعة مكارم في فندق ماريوت بالرياض، ضمن البرنامج الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، وهم معجب الزهراني ويوسف مكي من المملكة، وخالد الحروب من فلسطين الأمر الذي انعكس سلباً على الحضور، الذين كانوا يأملون بندوة ثرية تعالج واحداً من أهم المواضيع المثارة باستمرار، وتتعلق «المثقف العربي والمتغيرات السياسية». وأوضحت الدكتورة ميساء خواجا التي أدارت الندوة، أن الزهراني ومكي وعدا بالحضور، غير أنهما لم يفعلا، فيما حضر فخري صالح وسعيد السريحي. وأكد صالح أن فهم مصطلح المثقف الحديث، «يعيد القراءة مرة أخرى في واقع هذه العلاقة»، واصفاً التعريفات «في أدبياتنا للمثقف بأنها قاصرة عن الوصول إلى المفهوم المعاصر للمثقف، وذلك من خلال علاقات المثقف بالسلطة من جانب والمجتمع من جانب آخر». وقال: «عندما نعيد قراءة المفاهيم الدلالية المعاصرة في هذه العلاقة، فإننا سنصل إلى أدوار جديدة للمثقف، خصوصاً في ظل التحولات التي يشهدها العالم والعالم العربي بوجه خاص، فهناك مثقف عربي تقليدي آخر عضوي، لأن هناك مثقفاً له رسالة كيفما كانت السلطة التي يتعامل معها، وعلينا أن نفهم المثقف من خلال الطليعة الثقافية، من خلال فهمنا لهذه الدلالة بصفة عالمية بعيداً عن حصرها في سياقات معينة عربية، أو ربطها بما يحدث في عالمنا العربي اليوم»، مؤكداً أنه على المثقف «أن يعي دوره ويتخذ موقعاً لأداء رسالته من خلال الوقوف مع مجتمعه وإلى جانب تبصير نظامه السياسي، وأن يكون جزءاً من مجتمعه الذي يعيش فيه». وأشار فخري إلى تحولات دور المثقف، «من خلال الذات المثقفة ونرجسيتها، والدور الذي يجب على المثقف أن يؤديه جماهيرياً، خصوصاً في ظل المرحلة الانتقالية في هذه العلاقة من طور إلى آخر». فيما أوضح سعيد السريحي أن هذه المتغيرات «أو على نحو أدق الثورات التي شهدتها عواصم عربية عدة، محصلة لوعي جمعي بمفاهيم الحرية والعدالة والمساواة وحق المشاركة وتداول السلطة وسيادة القانون والتوزيع العادل للثروة، حق لنا أن ننظر إليها على اعتبار أنها ثورات ثقافية في جوهرها ما دامت منبثقة من إطار قيم ثقافية أصبحت من مسلمات الفكر السياسي المعاصر»، مشيراً إلى أن الثورات العربية ثقافية «غير أن الثوار لم يكونوا المثقفين، وأنه مرت عقود من الزمن ظل فيها المثقف العربي قابعاً في كرسي التنظير والتبشير، منعزلاً عن القوى القادرة على التغيير أو معزولاً عنها حتى مكنت ثورة الاتصالات ومعجزات التقنية الحديثة وإمكانات الإعلام الجديد، وما حققه ذلك كله للمواطن العربي من وعي لم تكن الأنظمة التي تحكمه قادرة على استيعابه، فضلاً عن التجاوب معه ومجاراته عندها أصبح بإمكان الشرارة التي أحرقت جسد مواطن أن تكون شرارة للثورة، وأصبح نجاح الثورة في بلد أنموذجاً لنجاح ثورات ماثلة في بلدان أخرى». وقال السريحي إن على المثقف العربي «أن يدرك أن هذا الجمهور لم ينقم على أنظمته، كما نقم عليها حين حرمته من أن يكون إنساناً يتمتع بما تمتع به الشعوب الأخرى من العدالة والكرامة، وأن ندرك أن المثقف الذي لا يشارك في كتابة المستقبل ستدونه الشعوب العربية في صحائف الماضي». وفي المداخلات أشار الشاعر غرم الصقاعي إلى أن ما حدث من متغيرات اجتماعية «هو من قاد التغير الايجابي باتجاه القيم الإنسانية المتفق عليها، مثل العدالة وسيادة القانون وغيرها لذلك أرى أن كل من يخالف هذه القيم لا يستحق الانتساب للثقافة». وقال الدكتور محمد الهرفي إن الشباب هم الذين يقودون التغيير في العالم وليس المثقفين. وبعض المثقفين يبيع ثقافته لتبرير الظلم وتحسينه وشرعنته أحياناً». ولفت الكاتب عبدالله الملحم إلى أن المتغيرات السياسية «في عالمنا العربي اليوم يقودها رجل الشارع، بعد فشل المثقف العربي بالدور المطلوب منه، بل أحياناً يكون معوقا للتغيير»، مضيفاً أن المثقف «انتهى دوره النخبوي، ويوشك أن ينقرض في القضايا العامة، وإن كان يقاوم الفناء في مجالاته الفنية والإبداعية». وأوضح الدكتور بجاد الروقي إن المثقف «تخلى عن دوره الثقافي فقد تسلم الزمام العوام، لأنهم سئموا من شموعهم التي نصبوها فلم تضئ، فقد وجدوها غارقة في فلسفة الثقافة وسيميائيتها وكيميائيتها». وقال إن سبب المشكلة أن المثقف اليوم «أصبح أرخص من دابته، إذ صار المثقف عباءة السلطة والسلطة صاحبة مزاج». من جهة أخرى، أكد مفكرون وأدباء عرب أهمية الخطوة التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين، بإلغاء الأوبريت الغنائي لهذا العام، مشيرين إلى أن الملك عبد الله «أراد أن يشعر الجميع أن المسلم أخو المسلم، ولا يمكن أن ينعم بالحياة ما دام أخ له في الإسلام يتعرض للأذى أو الاضطهاد». وقال عضو رابطة الكتاب واتحاد الكتاب العرب نايف النوايسة إن «إلغاء أوبريت الجنادرية «استجابة لكل خلجات النفس العربية، التي تتمعر الآن بسبب سيل الدم على الأرض السورية بلا جريمة»، مشيراً إلى أن هذا الموقف الإنساني هو جوهرة هذه الجنادرية»، مثمناً دور الذين «أعطوا هذا المهرجان قيمته الحقيقية، في مسار الحركة الثقافية العربية والعالمية». وأوضح أن قرية الجنادرية «قدمت علامة على الطريق بأن التراكم الحضاري، إن لم يتمكن من تجذير هذه الحضارة فإن شجرتها ستتحول إلى حطبة تتقاذفها الرياح من جهة إلى جهة، خصوصاً في ظل طوفان العولمة الذي يهشم الخصوصيات الحضارية». أما الدكتور هاشم الجاز، الكاتب في صحيفة الرأي العام السودانية، فأشار إلى «سمو هذه المشاعر التي عبر عنها خادم الحرمين الشريفين، تجاه ما يحصل في عدد من الدول». من جهته، قال الدكتور بابا كار «إن إلغاء الأوبريت في هذا العام كان متوقعاً، لأننا نعرف خادم الحرمين الشريفين وموقفه من هذه الأحداث التي تدمى القلب وتؤثر في مشاعرنا، ولقد هزنا هذا الخبر الأبوي لأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز له مكانة في العالم العربي والإسلامي». من جانبه، أكد المفكر اللبناني مهدي الأمين أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة، «يسعى إلى ترسيخ مفهوم الحوار الذي لابد أن يسعى الجميع إلى ترسيخه، وبخاصة في الوقت الحاضر».