في كل صباح، وقبل أن تبزغ الشمس، تغدو «بحرية صلهبي» إلى حلقة الأغنام في «الخمرة» باكراً، جالسةً «القرفصاء»، فيما تنشغل يداها التي تظهر تجاعيدها كما تجاعيد وجهها السبعيني، في تجفيف الخبز وتقليبه وتسويقه لأصحاب الأغناموتتنقل على ما توافر لها من مساحة للجلوس والبيع «حبواً» خشية أن يتكسر خبزها الرقيق أو يتلف. استأجرت بحرية المنتمية إلى جازان مولداً ونشأة وكهولة موقعها لتزاول نشاطها في بيع الخبز المجفف بصورةٍ شرعية ونظامية تتلاشى مع مثيلات مهنتها الشعبية، مع أن من يجاورها في المكان هم عمالة متخلفة، ومع كبر سنها إلا أنها تصحو كل يوم بهمةٍ ونشاط مع أبنائها قاصدين السوق باكراً. تبدو علامات الإعياء بادية على وجه بحرية صلهبي، فهي تعمل قبالة الشمس، منحنية الظهر، تقاوم التعب بمزيد من الاجتهاد في تقليب خبزها المجفف بكل حرص ودقة، فيما تذهب محاولات أبنائها الثلاثة سدى وهم يحاولون منعها من الاستمرار في العمل، ولكنها ترفض ذلك، إذ إنها لا تستطيع مفارقة هذا العمل الذي كفاها شر التسول ومد يدها إلى الناس. باحت بحرية صلهبي ل «الحياة» بحديث ملؤه الذكريات والشجن، فقالت: «منذ 28 عاماً، وأنا أجفف الخبز وأبيعه، وأعول هؤلاء الأبناء الذين تركهم والدهم لي وهم صغار، وسافر إلى اليمن، وكان ذلك في حين أزمة الخليج، وطلب مني أن أرافقه، ولكني رفضت وفضلت أن أبقى في بلدي وموطني». ومع أنها أمية لا تجيد القراءة أو الكتابة، إلا أنها كافحت رغم كل الظروف القاسية لتقي أبناءها الفقر والجوع والذل، تقول: «أبنائي غير سعوديين، وكان كفيلهم يطالبهم كل سنتين ب 25 ألف ريال، وقمت بإنهاء معاناتهم بعد أن دفعت لكفيلهم مبلغاً من المال، فانتقلوا إلى كفالتي». ولم تسلم صلهبي التي لا تعلم كم بلغت من العمر بالتحديد من أمراض الشقاء والتعب، فالسكر والضغط قد تمكنا منها، «لدي مرض السكر والضغط، كما أنني خضعت لعمليتين في عيني، وأدعو الله الشفاء من كل بأس». وما يزيد بحرية هماً وحزناً هو مماطلة معاملات طلب الجنسية السعودية لأبنائها، المستحقين للهوية الوطنية، (على حد قولها)، وعن ذلك تقول: «راجعت الرياض مرتين لمتابعة معاملة أبنائي، وأنفقت في هاتين الرحلتين مبالغ طائلة، ولكن للأسف حتى الآن لم يظهر أي شيء». وكأي أمٍ تحلم برؤية أبنائها في عداد المتزوجين، إلا أن ما يمنعهم من ذلك بلهجة منطقة صبيا في جازان حيث مسقط رأسها «الزلط»، «دخلي في اليوم الواحد 20 أو 30 ريالاً، وفي بعض الأحيان تمر أيام ما أبيع ولا كيساً».