تحولت الدعوة إلى عصيان مدني في مصر إلى اختبار قوة بين القوى الثورية الداعمة له وبين التيار الإسلامي ومعه أحزاب تقليدية رفضت المشاركة فيه، ومن وراءهم المجلس العسكري الحاكم. واستنفر الإسلاميون الذين نالوا الغالبية البرلمانية لإجهاض هذه الدعوات، في مقابل تعبئة أصحاب الدعوة لحشد تأييد للعصيان. وسيُنظر إلى نجاح العصيان على أنه تعبير عن تأييد قطاعات واسعة لمطالب القوى الثورية ورفضها توجه الإسلاميين الذين يرون أنهم كسبوا ثقة الجماهير بانتخابهم في البرلمان. ولجأ الإسلاميون إلى سلاح الفتوى لإجهاض العصيان المدني، على اعتبار أنه «يضر بالاقتصاد في وقت تعاني البلاد من أزمة»، فيما حملت القوى الثورية المجلس العسكري مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية على مدار العام الماضي، معتبرة العصيان «خطوة أولى لتصحيح المسار والانطلاق لنهضة الاقتصاد». ودخل الأزهر ودار الإفتاء وحتى الكنيسة المصرية على خط المواجهة، واعتبروا أن هذه الدعوات «تخالف الشرع لما تسببه من ضرر اقتصادي بالغ». وكررت جماعة «الإخوان المسلمين» انتقادها لدعوات العصيان المدني، معتبرة أنها «هدَّامة». وطالبت بالانصراف عنها، كما جددت «الجماعة الإسلامية» رفضها هذه الدعوات. وقالت في بيان إن «العصيان يهدد بكثير من الأخطار، منها تحطيم ما بقي من اقتصاد مصر، وإشعال الفتنة في البلاد، وزيادة التوتر الأمني وأعمال البلطجة والنهب». ووصفت هذه الدعوات بأنها «مشؤومة». وتساءلت: «لم الدعوة لإحداث القلاقل والاضطرابات التي تضر البلد؟». ورفض حزب «النور» السلفي دعوات العصيان. وقال الناطق باسمه نادر بكار إن الحزب «يدعو جميع المواطنين إلى عدم الاستجابة لدعوة العصيان المدني». وقرر حزب «الوسط» ذو المرجعية الإسلامية عدم المشاركة في العصيان انطلاقاً من أنه «ليس من ضمن الآليات الاحتجاجية التي سينتهجها الوسط لأنه يعطل المستشفيات ووسائل المواصلات والمصالح الحكومية، وهذا كله فيه ضرر بالغ بمصالح المواطنين». وأكد أنه «سيواصل الضغط على السلطة التنفيذية للإسراع بنقل السلطة عن طريق إجراء الانتخابات الرئاسية في منتصف نيسان (أبريل) المقبل، وكذلك الضغط من أجل استكمال باقي مطالب الثورة بكل الوسائل المتاحة من خلال نوابه بالبرلمان وبمبادراته باقتراح الحلول والمشاركة مع باقي القوى السياسية للتعاون على تنفيذ هذه الاستحقاقات». وانضم المرشحان المحتملان للرئاسة عبدالمنعم أبو الفتوح ومحمد سليم العوا إلى رافضي العصيان. وقال أبو الفتوح إنه ضد الدعوة إلى العصيان «لأن مصر تحتاج كل ساعة عمل من أجل النهوض بالاقتصاد»، متوقعاً فشل الدعوة. واعتبر العوا أن «العصيان المدني في الوقت الحالي يشكل خطورة بالغة على الاقتصاد المصري... ويصب في مصلحة أعداء الوطن». وأكد عضو «مجلس أمناء الثورة» القريب من جماعة «الإخوان» صفوت حجازي أن «المجلس لن يشارك في العصيان، إعلاءً لمصلحة الوطن»، معتبراً أن «تنفيذ الإضراب والعصيان في شكل شامل أمر شديد الخطورة على البلاد، في ظل الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني الهش الذي أوصلنا إليه العسكر». في المقابل، استنفرت القوى الثورية لضمان نجاح دعوتها إلى العصيان المدني من أجل إجبار العسكر على تسليم السلطة للمدنيين فوراً. وعقدت عشرات القوى والأحزاب المؤيدة للعصيان اجتماعاً في مقر حزب «غد الثورة» برئاسة أيمن نور لتنسيق خطوات الإضراب وتحويله إلى عصيان مدني. وقالت، في بيان، إن «الإضراب العام ثم العصيان المدني، إعلان من المصريين جميعاً لرفضهم استمرار المجلس العسكري في السلطة، أو إجراء انتخابات الرئاسة أو كتابة الدستور في ظل وجوده، لأنه ارتكب جرائم في حق الشعب، ما يجعل خروجه من السلطة من دون محاسبة خيانة لدماء الشهداء». وأضاف البيان أن «الإضراب مجرد بداية لنقل المعركة الثورية على طريق ربط المطالب السياسية والديموقراطية بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية». وطالبت ب «عودة الجيش إلى ثكناته فوراً، وإقرار قانون لمحاكمة كل المتورطين في قتل الثوار منذ قيام الثورة وحتى مذبحة بورسعيد سواء كانوا من الجيش أو الشرطة وأياً كانت مناصبهم». ووقَّعت على البيان عشرات القوى والحركات والأحزاب منها حملة المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، وحزب «الكرامة» الناصري المتحالف مع «الإخوان»، و«ائتلاف شباب الثورة»، وحركة «6 أبريل»، و«حزب الجبهة الديموقراطية» الليبرالي، و«الاشتراكيون الثوريون»، و«ثورة الغضب الثانية». من جهة أخرى، تنظم حركات شبابية عدة في «جمعة الرحيل» اليوم مسيرات حاشدة تتجه إلى مقر وزارة الدفاع للمطالبة بتسليم السلطة فوراً. ونشرت القوى الداعية إلى تنظيم هذه المسيرات خطة لتحركها من مساجد عدة قريبة من مقر الوزارة بعد صلاة الجمعة. ورغم تنظيم مثل هذه المسيرات في تظاهرات سابقة، إلا أنها جاءت عفوياً من دون تخطيط واتفاق مسبق بين القوى الثورية التي عادة ما تتظاهر في ميدان التحرير ويتوجه بعض المتظاهرين إلى الوزارة. وأثار انتشار وحدات من الجيش بكثافة في شوارع القاهرة والمحافظات قبل يومين من «جمعة الرحيل» والدعوة إلى عصيان السبت تساؤلات عن الهدف الحقيقي من هذا الانتشار في ظل تردي الأوضاع الأمنية منذ شهور. وكانت مدرعات تابعة للجيش انتشرت في الشوارع والميادين الرئيسة والفرعية علَّقت عليها ملصقات «الجيش والشعب أيد واحدة» الذي تحول من هتاف شعبي أثناء الثورة إلى شعار رسمي تسعى من خلاله القوات المسلحة إلى استعادة كسب ثقة الشارع.