شهدت جمعة “استرداد الثورة” في مصر أمس انتقادات حادة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد، من القوى السياسية التي شاركت في تظاهرات أمس في ميدان التحرير وميادين مدن أخرى. وارتفع سقف انتقاد المجلس العسكري إلى حد اتهامه ب“التواطؤ” من قوى طالما دافعت عن سياساته. واحتشد الآلاف في ميدان التحرير في القاهرة، ووجهوا جام غضبهم إلى المجلس العسكري وحكومة عصام شرف. وبدا الحشد أقل مما كان عليه في ايام الجمعة السابقة التي شارك فيها الإسلاميون وكذلك أقل مما كان متوقعا، في ظل مقاطعة جماعة «الإخوان المسلمين» و»الجماعة الإسلامية» والقوى السلفية. وانطلقت دعوات إلى الاعتصام في ميدان التحرير من أجل إجبار الحكومة على تلبية مطالب القوى السياسية، وعلى رأسها تعديل قانون الانتخابات البرلمانية المعدل أصلا، وإلغاء المادة الخامسة فيه والتي تحظر على الأحزاب السياسية تقديم مرشحين للتنافس على ثلث مقاعد البرلمان التي خصصت للمستقلين وتجرى انتخاباتها بالنظام الفردي. وهي المادة التي أعلنت الحكومة أمس دراسة مطالب القوى السياسية بتعديلها بعدما هددت أحزاب وحركات بمقاطعة الانتخابات في حال الإصرار عليها. كما طالب المتظاهرون بإلغاء العمل بقانون الطوارئ وتحديد جدول زمني واضح لتسليم السلطة للمدنيين خلال فترة أقصاها آذار (مارس) المقبل. ورفع المتظاهرون في القاهرة لافتات تحمل انتقادات للمجلس العسكري وتطالبه بتسليم السلطة للمدنيين. ولوحظ تصعيد في حدة الهتافات ضد المجلس وقياداته فضلا عن ترداد هتافات تعكس ازدياد الخلاف بين المجلس والقوى السياسية. إذ ظل أعضاء في «حركة شباب 6 إبريل» يهتفون: «انتحاريز.. انتحاريز.. من التحرير أحرر بلادي». وفيما غابت القوى الأمنية تماما عن ميدان التحرير، عادت ظاهرة «اللجان الشعبية»، وتمركز العشرات من «شباب الثورة» عند مداخل الميدان للتدقيق في هويات المارة. ودعا خطيب الجمعة في ميدان التحرير الشيخ مظهر شاهين القوى السياسية إلى «الوحدة والوقوف صفا واحدا من أجل حماية الثورة واستكمال تحقيق أهدافها، مع التزام شعار السلمية»، مشددا على «ضرورة استكمال جميع مطالب الثورة وتفعيل قانون العزل السياسي (الغدر) على أعضاء الحزب الوطني (المنحل)، لضمان استبعاد الوجوه التي أسهمت في فساد المجتمع السياسي». وطالب بتعديل قانون الانتخابات «بما يضمن تحقيق الإقبال الشعبي على المشاركة فيها وعدم سيطرة رؤوس الأموال على أصوات الناخبين أو إرهابهم من خلال البلطجية المأجورين». ونصبت في الميدان أربع منصات: اثنتان ل»شباب الثورة» والليبراليين والثالية تابعة لحزب الوسط والرابعة تابعة لأنصار المرشح الرئاسي المحتمل حازم صلاح أبو إسماعيل. والأخيرة شهدت الهجوم الأشرس على المجلس العسكري وحكومة شرف. وبثت كلمة من الداعية الإسلامي الشهير وجدي غنيم من ماليزيا دعا فيها إلى «إنهاء حكم العسكر» واتهم شرف ب»التواطؤ ضد الثورة» وطالبه بالعودة إلى الميدان. كما نظم المئات مسيرة من ميدان التحرير إلى مقر مجلس الوزراء تعبيرا عن رفضهم قانون الطوارئ. وشارك المرشحان المحتملان لرئاسة الجمهورية الدكتور محمد سليم العوا والدكتور أيمن نور والناشط وائل غنيم في التظاهرات. وطالبت «اللجان الشعبية»، في بيان وزعته في الميدان، ب»عودة الاعتصام إلى ميدان التحرير والميادين المختلفة في المحافظات»، للمطالبة ب»إصدار قانون الفساد السياسي الذي يضمن تطهير مؤسسات الدولة من فلول الحزب الوطني المنحل، ورفض المحاكمات العسكرية للمدنيين وإلغاء قانون الطوارئ وقانون تجريم الاعتصام والإضراب، وتحديد جدول زمني واضح لتسليم المجلس العسكري السلطة لحكومة مدنية». واتهم البيان المجلس العسكري والحكومة ب»العمل بشكل منظم على تحويل الثورة عن مسارها الصحيح، وإخراجها عن مضمونها». لكن الدعوة إلى الاعتصام لم تلق إجماعا، إذ أكد رئيس حزب الوسط المهندس أبو العلا ماضي أن الاعتصام ليس هو الحل لتحقيق مطالب «جمعة استرداد الثورة». وطالب بتحديد جدول زمني لانتقال الحكم إلى سلطة منتخبة، مشددا على ضرورة عدم تفعيل قانون الطوارئ. وانتقد غياب بعض القوى السياسية عن التظاهرات. وفي المحافظات، تجمع المئات في مختلف الميادين للمطالبة بتحقيق «مطالب الثورة». من ناحية أخرى، أثار مقطع فيديو أذاعه الإعلامي والصحافي مصطفى بكري في برنامجه على قناة “الحياة” الفضائية جدلا سياسيا، إذ قال فيه رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي خلال حفلة تخريج ضباط كلية الشرطة في أيار (مايو) الماضي: “لم يطلب مني أحد شخصياً ولم يطلب من القوات المسلحة أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة إطلاق النار ضد المتظاهرين... هذه شهادة حق وشهادة صدق والله تعالى سيحاسبنا عليها وأنا أمين على ذلك”، وهي فقرة حذفت من خطاب المشير الذي أذاعه التلفزيون الرسمي في ذلك الوقت بعد عمل مونتاج له. ونفى مصدر عسكري أن يكون تم تسريب شريط الفيديو إلى الإعلامي مصطفى بكري القريب الى المجلس العسكري، وهو ما أكده بكري قائلا: “حصلت على الشريط مصادفة، وعزمت على ألا أفوت الفرصة، إيمانا مني بضرورة حصول المشير طنطاوي على حقه أمام الجميع”. وأضاف: “كلام المشير في حفلة ضباط الشرطة يؤكد صحة وصدق الشهادة التي أدلى بها أمام محكمة الجنايات في قضية قتل المتظاهرين”. وكان التلفزيون الرسمي أذاع في ذلك الوقت فقرات من خطاب المشير أكد فيها أن المجلس العسكري اجتمع وقرر ألا يطلق النار على المتظاهرين، وهو ما فهم منه حينها أنه طلب من الجيش إطلاق النار. لكن المصدر العسكري أوضح أن قرار المجلس كان «هدفه استباق أن يطلب منه اتخاذ موقف تجاه المتظاهرين». وقال أنه «تقرر حذف الفقرة التي تحدث فيها المشير عن عدم الطلب منه إطلاق النار على المتظاهرين كي لا يفهم الأمر على أنه دفاع عن الرئيس السابق، كما حذفت أيضا بداية خطاب المشير في الحفلة ذاته، إذ بدأ خطابه بآيات من القرآن الكريم تم حذفها أيضا كي لا تفسر على أنها تقرب من الإسلاميين».