توقعت مصادر ديبلوماسية أن يحمل الرئيس التونسي منصف المرزوقي خلال جولته التي تبدأ الأربعاء وتشمل المغرب والجزائر وموريتانيا تصورات جديدة لمعاودة تفعيل الاتحاد المغاربي المتعثر. وصرّح الرئيس التونسي الذي يعتزم زيارة قبر والده المدفون في المغرب، بأن الدول المغاربية الخمس مثل أصابع اليد الواحدة، لا يمكن لأصبع ضمنها أن يستغني عن الآخر. وأوضح في مقابلة بثتها القناة المغربية الثانية، مساء أمس، أن الملك الراحل محمد الخامس كان استقبل والده، وأنه يعاود إرساء هذا التقليد عبر اجتماع الحفيد بالابن، في إشارة إلى المحادثات التي سيجريها والعاهل المغربي الملك محمد السادس. وتوقعت المصادر أن تعرض المحادثات التي يجريها المرزوقي خلال أول زيارة له إلى المغرب منذ إطاحة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إلى قضايا سياسية واقتصادية، في مقدمها الإحاطة بتطورات الأوضاع في منطقة الشمال الأفريقي، والأبعاد المتوخاة من التقارب المغربي-الجزائري وسبل تطويق تداعيات نزاع الصحراء مغاربياً، إضافة إلى مجالات التعاون الثنائي. واختار المسؤول التونسي زيارته عشية ذكرى تأسيس الاتحاد المغاربي في 17 فبراير (شباط) 1989 في مراكش، للدلالة على زخم الطموحات المشتركة لناحية إحياء المشروع الذي واجه صعوبات شديدة منذ منتصف التسعينات. وعلى رغم أن العواصم المغاربية كافة ما فتئت تعلن التزاماتها الصريحة المضي على طريق البناء المغاربي، إلا أن الأمر ظل يقتصر على إطلاق النيات من دون بلورة مضامين حقيقية لمفاهيم التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي وتشكيل جبهة قوية في مواجهة المحاور التي ترتبط معها دول المنطقة بعلاقات حيوية، كما في المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبلدان الشمال الأفريقي، كونها خضعت لهواجس كل دولة على حدة. ولم تُعقد أي قمة مغاربية منذ عام 1994، على خلفية موقف اتخذه المغرب وقتذاك بتعليق مؤسسات الاتحاد إلى حين التزام مواقف واضحة «إزاء القضايا الإقليمية»، وفي مقدمها نزاع الصحراء، الذي كان بلغ ذروة المواجهة الديبلوماسية بين الرباطوالجزائر. وزاد إغلاق الحدود البرية بين البلدين الجارين -الذي لا يزال مفعوله سارياً- منذ صيف العام ذاته في تعقيد الموقف. وكانت آخر قمة مغاربية رست على ليبيا بعد تعذّر عقدها في الجزائر مرات عدة، لكن مآلها كان التعليق في ظل غياب قادة الدول المعنية وعدم الاتفاق على جدول أعمال محدد، إضافة إلى تداعيات الانكفاء الذاتي الذي عرفته تلك الدول. غير أن تباشير ما يعرف ب «الربيع العربي» ألهبت المشاعر إزاء معاودة إحياء التجربة، بخاصة في ظل التقارب الذي تعرفه العلاقات المغربية-الجزائرية. وثمة من يذهب إلى أن دعوة مجلس التعاون الخليجي المغرب إلى الانضمام إليه (تم الاتفاق على بناء محور شراكة واسعة بين الرباط ودول مجلس التعاون) كانت من بين الأسباب التي عجّلت بمعاودة الانشغال بالبناء المغاربي كي يصبح تكتلاً يوازي التجربة الخليجية في غرب العالم العربي. ومن المرتقب أن يعقد وزراء الخارجية المغاربيون اجتماعاً في الرباط في 18 الشهر الجاري لإقرار خطة عمل جديدة تُرفع إلى قادة الدول، الذين سيكون عليهم تحديد موعد القمة المؤجلة بعد إجراء المزيد من المشاورات. لكن يُعتقد أن التطبيع الإيجابي بين المغرب والجزائر وحده الكفيل بمعاودة انطلاق القطار المغاربي. واللافت أنه في الوقت الذي أُحرز فيه تقدم أمام تعبيد الطريق لاجتماع وزراء الخارجية المغاربيين، الذي يعول الشركاء كافة على أن تكون طبيعة اجتماعه المقبل مختلفة عن الاجتماعات السابقة التي لم تتجاوز طرح إشكالات إجرائية واقتصادية لنفض الغبار عن توصيات اللجان القطاعية، لا يزال نزاع الصحراء يُلقي بظلاله على آفاق التطبيع الشمال الافريقي. ووفق مصادر ديبلوماسية، فإن اجتماع مانهاست (نيويورك) الذي دعا إليه الموفد الدولي كريستوفر روس ما بين 11 و13 من الشهر المقبل في حضور مسؤولين من المغرب وقيادة «بوليساريو» ومندوبين عن الجزائر وموريتانيا، سيكون محك اختبار في القدرة على إبعاد نزاع الصحراء عن المسار المغاربي وأفق العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، بخاصة وأن الرباط لا تنظر بارتياح إلى مساع يبذلها نواب في البرلمان الأوروبي لدعوة روس إلى عرض نتائج المفاوضات التي ترعاها الأممالمتحدة أمام البرلمان الأوروبي. وسبق للرباط أن أعلنت استياءها إزاء بعض الضغوط الأوروبية التي كانت وراء تعليق العمل باتفاق الصيد الساحلي بين أوروبا والمغرب.