رجل أم امرأة؟ جاد أم عابس؟ فاهم أم قارئ؟ موصل جيد أم عازل لما وراء المعلومة؟... قراءة نشرة الأخبار ليست مجرد بضعة سطور يقرأها موظف بدرجة مذيع، لكنها أكثر وأعمق بكثير. في بداية عصر البث التلفزيوني كان مذيع النشرة أشبه بالروبوت الذي تُضبط ملامح وجهه على شكل واحد لا يتلون ولا يتغير. يجد الأوراق أمامه، جملاً متراصة، وتشكيلاً موضوعاً على الحروف، وتقطيعات محددة بعناية. ثم حين تنتهي النشرة، ترتاح ملامحه، ويعود ليمارس حياته كأي شخص عادي، يتحدث بنبرات تختلف بحسب نوعية الحديث، ويضحك إذا اقتضى الأمر. هذه ليست مبالغة، والدليل أن الدهشة كانت تصيب المشاهد إذا رأى المذيع نفسه يبتسم في سياق آخر غير قراءة النشرة. لكن قراءة النشرة الإخبارية خضعت للكثير من التغييرات، بعضها عمد إلى صقل قارئها بمزيد من فنون الإلقاء، فيما أخضعها آخرون لعملية إعادة تشكيل كلية. وهكذا نجح كثير من المحطات العربية في تقديم نوعية مختلفة من قارئي النشرات الذين ارتقوا بالعمل من مجرد قارئ إلى مشارك في محتوى النشرة. وباتت هناك أمثلة كثيرة لقارئي نشرات على علم ودراية كاملين بما يقرأونه، فالأحداث واضحة ومفهومة الأبعاد، والأسماء لا مجال للخلط أو النطق الخاطئ لها، حتى ملامح الوجه باتت قادرة على التغير تبعاً لفحوى ما يقرأ وبطريقة عفوية لا تخلو من مهنية عالية. آخرون أقدموا على تغيير الشكل الكلي للنشرات، فمنهم من قرر تقديم نموذج للنشرة بالعامية على سبيل التبسيط، والخروج مما اعتبروه «قيود» اللغة إلى فضاء لغوي أوسع، وهو ما يثير اعتراض المدافعين عن قواعد اللغة العربية والمعارضين لخلخلة منظومة نشرة الأخبار بإقحام العامية عليها. كما ظهرت نشرات الأخبار المتخصصة، فمنها السياسي، ومنها الاقتصادي والجوي والرياضي، بل والفني والاجتماعي أيضاً، وذلك بعد عقود طويلة ظلت فيها نشرات الأخبار المقدمة للطفل أمل دعاة التغيير، على رغم إنها كانت صورة طبق الأصل من النشرة الأصلية مع بعض التبسيط اللغوي، والاستعانة بأطفال يقرأونها بالرتابة والحدة نفسها التي يقرأ بها الكبار النشرة. وعلى رغم النظرية الكلاسيكية التي كانت ترى سقف الإبداع والتغيير في مجال قراءة النشرة محدوداً، وذلك بسبب القيود التي تفرضها طبيعة النشرة التي عادة تدور حول أخبار الصراعات والمجازر والاجتماعات الوزارية والديبلوماسية وغيرها من الأحداث التي يصعب تطويعها من دون الإخلال بمضمونها، إلا أن السنوات القليلة الماضية أثبتت أن مجال الابتكار مفتوح على مصراعيه، شكلاً وموضوعاً. وباتت هناك صرعات وموضات تنتقل من نشرة هذه القناة إلى القناة الأخرى بسرعة البرق، مع محاولة إضفاء نوع من الخصوصية أو التفرد. كما أصبحت الاستعانة بخبراء في مجال النشرات الإخبارية أمراً وارداً، كذلك إرسال القارئين والقارئات في دورات تدريبية عبر البحار، وأحياناً المحيطات من أجل نشرة أخبار مختلفة ومميزة وجاذبة ولا سقف للإبداع فيها.