ذكر الرحالة ماء العينين بن العتيق أن الملك عبدالعزيز كان يطوف في جملة من الناس من دون امتياز طوال أعوام إمارته الأولى، حتى غدره بعض الظلمة وهو مستلم الحجر الأسود، فسلمه الله. ووصف الشيخ صالح جمجوم في جدة بأنه رجل ذو كرم وأخلاق حسنة، واعتناء بالحجاج خصوصاً الوارد منهم من قُطر شنقيط (موريتانيا). وقال عن سادن ببيت الله الحرام محمد بن صالح الشيبي إنه صاحب آداب وسكينة ووقار وأخلاق حسنة. ولفت نظره أن الطير في المسجد الحرام لا يطير فوق الكعبة المشرفة وأنه يسع المئين من الألوف، بل كل من رام دخوله يسعه مما يضيق به متسع الفضاء، ومنها جباية الأرزاق إلى مكة، وهي بوادٍ غير ذي زرع. انطلق ماء العينين بن العتيق في رحلته المسماة «الرحلة المعينية» نحو الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج وزيارة المسجد النبوي والتي استغرقت ثلاثة أشهر ونصف الشهر، من مدينة الطنطان جنوب المغرب في ديسمبر 1938 مع ركب الحجاج «في هيئة حسنة، وسكينة عجيبة، والضلوع تلتهب، والدموع تنسكب، وقد شق على المقيم فراق المسافر المودع، والمسافر متردد بين الفرح المتوقع والحزن الواقع، فلما انتهى التشييع ركب من هناك مع ركب الحجيج السفينة لجهة جزيرة كناري ومنها ركبنا - 18 رجلاً وامرأة - مركباً يسمى باركوسيبي فلبثنا فيه ثلاثة أيام والبحر في غاية الاضطراب والتموج، فرسى بنا عند مدينة قادس وهي باب بلاد أوروبا حتى وصلنا إلى سبتة ومنها إلى تطوان». وبعد أربعة أيام رست الباخرة في طرابلس الغرب، وفي ليبيا التقى صاحب الرحلة بالعديد من العلماء، ورحل مع الحجاج إلى بورسعيد ومنها إلى السويس حتى وصل إلى ميناء جدة ثغر الحجاز على البحر الأحمر، ونزل في دار الشيخ صالح جمجوم، «وهو رجل ذو كرم وأخلاق حسنة، واعتناء بالحجاج خصوصاً الوارد منهم من قُطر شنقيط، وعليه سيماء الخير، فرحب بنا وأكرمنا، ثم دعانا ولد المطوف الذي عيناه وهو عبدالله الكردي، وهو رجل له مشاركة في العلم، وأدب كبير، وكرم شهير، ومن عادة أهل الحرم أن المطوف أو نائبه يتلقى الفرقة من الحجاج بجدة، ويتولى شؤونهم، ولبينا في جدة دعوة السيد عبدالعزيز بن أبي القاسم الدباغ، فبالغ في إكرامنا ولم يقصر في إعظامنا، وكان مجلسنا عنده مجلس سكينة ووقار، تناشدنا فيه ما يناسب الحال من الأشعار». وطوال وجود الرحالة في مكة المشرفة التقى بصفوة العلماء والوجهاء، منهم الحكيم السيد إعزاز الدين الهندي، والعلامة عمر بن حمدان المحرسي، المدرس في الحرمين الشريفين، المرجع إليه في المذهب المالكي في زمانه بمكة المشرفة والمدينةالمنورة، وشيخ المذهب الحنفي بمكة المشرفة الشيخ محمد المرزوقي أبوحسين، وشيخ المذهب الشافعي أحمد ناضرين، وقاضي القضاء عبد الله بن حسن النجدي، من آل الشيخ، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقاضي المحكمة الكبرى بمكة المشرفة محمد القاري الحنفي، والإمام بالمسجد الحرام الشيخ عبدالله أبوالسمح. كما التقى بالأمير شكيب أرسلان أمير البيان، ومحمد أمين كتبي، وسادن ببيت الله الحرام محمد بن صالح الشيبي «وهو صاحب آداب وسكينة ووقار وأخلاق حسنة». صعد الرحالة مع الحجاج يوم التروية إلى منى ومنها إلى عرفة التي هطلت عليهم يومها أمطار غزيرة حتى غسلت أبدان الواقفين ولباسهم «فتيامنا به لقوله صلى الله عليه وسلم «ما من قوم مطروا إلا وقد رحموا»، ولم يزل المطر والناس واقفون في دعاء وابتهال وخشوع وأذكار واستغفار، فكم من دموع تدفقت، وكلم ضلوع تحرقت، وكم نسمات هبت، وكم سحاب رحمات صبت، والجميع يرغبون المغفرة من الغفار، ويرجون الستر من الستار». ثم أكمل صاحب الرحلة مع الحجاج نسكه بالنفرة من عرفات، وأداء الشعائر في مزدلفة ومنى وطواف الإفاضة بالمسجد الحرام. «بلغنا أن الملك عبدالعزيز كان يطوف في جملة من الناس من دون امتياز أعوام إمارته الأولى حتى غدره بعض الظلمة وهو مستلم الحجر الأسود، فسلمه الله، ومن بعدها صار يطوف وحوله حرس». أقام ماء العينين بمكة المشرفة بعد انتهاء الحج خمسة أيام، وغادرها بعد طواف الوداع في اتجاه جدة إلى المدينةالمنورة «فلما بلغنا كراع الغميم غاصت المركبة، وفسد من آلتها ما أعاقها عن السير، فنزل وفدنا وتفرق أهل المركبة طلباً للظل». وكانت بين المدينةالمنورةومكة المشرفة مناخات ومحال معدة للاستراحة، وللأكل والشرب لمن شاء من الحجاج، وأكثر من يعمل بتلك المحال من البدو، جلهم عاميون إلا أن اللسان العربي سجية فيهم، فيتكلمون عن فصاحة بالطبيعة رجالاً ونساء وأطفالاً. توقف صاحب الرحلة ورفاقه عند ذي الحليفة (آبار علي) على مشارف المدينةالمنورة «وهنا توضأنا وأصلحنا شؤوننا ولبسنا فاخر ثيابنا، لأن من السنة لداخل المدينة أن يتطيب ويلبس فاخر ثيابه». نزل الرحالة في دار محمد عبدالله الجكني وتوجه من يوم وصوله» في عربة تجرها الخيول والبغال إلى المسجد النبوي للصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضوان الله عليهما». وعاد الرحالة إلى جدة ومنها إلى وطنه في جنوب المغرب وحدث جلساءه بالآيات المشاهدة في المسجد الحرام، ومن ذلك «أن الطير لا يطير فوق الكعبة المشرفة، بل ينحرف عنها إذا وصل إليها على كثرته يميناً وشمالاً، ومنها أن الوحوش لا تؤذي بعضها في الحرم، ومنها تأثير قدمي إبراهيم عليه السلام في الحجر الذي كان يرفع عليه قواعد البيت، ومنها أن المسجد الحرام يسع المئين من الألوف، بل كل من رام دخوله يسعه مما يضيق به متسع الفضاء، ومنها جباية الأرزاق إلى مكة، وهي بوادٍ غير ذي زرع».