أثبتت جلسة مجلس الأمن الثلثاء الماضي ما كان متوقعاً. التحالف العربي - الأوروبي الذي يقود «الثورة السورية» اصطدم مرة أخرى بالموقف الروسي، فضلاً عن الجدار الصيني ودول «بريكس». التحالف (والجامعة العربية) عجز عن إقناع موسكو وبكين بالتنازل عن دعم النظام السوري، خصوصاً بعدما تحول المنتفضون إلى استخدام السلاح في حرب عصابات تقليدية لا تخفى على أحد، فضلاً عن غموض توجهاتهم السياسية لما بعد النظام. توجهات لا تطمئن موسكو كثيراً فملامحها تشير إلى ان متصدري العمل لإسقاط النظام سينتقلون بدمشق من معسكر حليف إلى معسكر منافس سياساته الخارجية (والداخلية) امتداد لسياسات الأنظمة المنهارة في تونس وليبيا ومصر واليمن، أي الدوران في فلك المعسكر الأميركي الساعي إلى تطويق موسكو من كل الإتجاهات بأنظمة معادية. في هذا المعنى كانت تطمينات برهان غليون إلى انه سيحافظ على موقعها وعلى قاعدة أسطولها في طرطوس غير كافية لأنه هو نفسه لا يستطيع ضمان بقائه في الحكم ف «الإخوان» له، ولكل العلمانيين، بالمرصاد يستخدمونه الآن واجهة لإقناع الغرب بأنهم «مدنيون» إلى أن يتمكنوا من السلطة ويفرضوا رؤاهم وقوانينهم في لعبة ديموقراطية لمسنا نتائجها في مصر. هذا منطلق الموقفين الروسي والصيني. اما موقف الولاياتالمتحدة، والغرب عموماً، فينطلق من أن المنتفضين على النظام ليسوا يساريين ولا قوميين. والأهم من ذلك أنهم سيضربون التحالف السوري-الإيراني وامتداداته إلى لبنان وفلسطين، مروراً بالعراق، تضمن تصويب توجههم دول وأنظمة حليفة سعت، منذ سنوات، إلى تفكيك هذا المحور، معتمدة على القوة العسكرية الأميركية حيناً، وعلى المنتفضين الآن. والمنتفضون أكثر تأثيراً من أي جيش. على هذه الخلفية تجري المواجهة في مجلس الأمن. وكل ما قيل وسيقال عن سعي الأممالمتحدة إلى نشر الديموقراطية والحريات الشخصية والعامة في سورية لم يعد يقنع أحداً لأسباب كثيرة، ربما كان أهمها أن التجربة العراقية أثبتت وهم هذه الشعارات، فالديموقراطية إما أن تنبع من الداخل بتطور إجتماعي، أو تستبدل ديكتاتورية المقدس بديكتاتورية الفرد. وأحدث مثال على ذلك ما جرى ويجري في ليبيا التي نسيها الجميع بعدما اطمأنوا إلى تدفق النفط، وتركوا «الثوار» يتناحرون في ما بينهم. حذرُ المعسكرين المتواجهين في مجلس الأمن وتمسك كل منهما بإصدار قرار يخدم مصلحته مؤشر كاف إلى أن المأساة السورية ستطول وتحصد المزيد من الضحايا وتعرض البلاد لخطر التقسيم. وعندها يتحقق المطلوب: شرذمة دولة عربية قوية أخرى، وتحويل المنطقة كلها إلى دويلات طائفية عرقية تسودها الفوضى وأعراف العشائر وقوانين المذاهب، برعاية إقليمية ودولية. أليس هذا ما حصل في العراق، جار سورية الأقرب إليها بتكوينه الإجتماعي؟