تواصل وسائل الإعلام الغربية وأبواقها «قصف» سورية واستهدافها. ويصوّر الغرب النظام السوري على أنه استبدادي، لا يتفوق على استبداده إلّا نظام معمر القذّافي. ويناقش الصحافيّون الغربيّون عدد «المتظاهرين المدنيّين» الذين راحوا ضحية القمع. وهم يبالغون كثيراً حين يصفون ما حصل في إحدى ضواحي دمشق ب «انتفاضة شعبية عارمة في العاصمة السورية». وشارفت الأحوال على تكرار التجربة الليبيّة. ففي الأسبوعين الماضيين، اتخذ الغرب إجراءات قاسية ضد سورية. وهو يسعى إلى إصدار قرار في مجلس الأمن يطلق يديه في البلد هذا، على نحو ما فعل في اختتام نيسان (أبريل) 2011. يومها، فشلت المساعي الغربية نتيجة موقف روسيا والصين الرافض، وهما حمتا حليفهما الرئيس السوري. ودعا الرئيس الروسي، ديميتري مدفيديف، نظيره السوري إلى «توسيع» الحوار مع الشرائح الاجتماعية والسياسية المختلفة. وأعلن النظام السوري أنه يواصل القتال «ضد المتطرفين»، ولم يحدد الجهات الراغبة في الحوار. ويبدو أن باراك أوباما، الرئيس الأميركي، ينوي مناقشة الأوضاع في سورية ومسألة فرض عقوبات عليها مع مدفيديف. والموقف الروسي وازن ومهم. وصار كثر في العالم العربي ينظرون بعين الشك والحذر والريبة الى روسيا نتيجة موقفها الملتبس من مشكلة الأوضاع الليبية. وفي الميزان الاقتصادي الروسي، تحتل ليبيا مكانة أكثر أهمية من سورية. فالأولى تملك احتياطات ضخمة من النفط والغاز، على خلاف الثانية. ولكن مكانة سورية في الميزان الجيوبوليتكي بارزة وتضاهي أهمية مكانة ليبيا الاقتصادية. والدولة السورية منذ استقلالها تدور في فلك نفوذ موسكو. وسورية ليست دولة كبرى مثل مصر، ولا تملك مواد أوّلية مثل الدول الخليجية النفطية. لذا، لا يسعها أداء دور قيادي في العالم العربي. وعلى رغم هذه الوقائع، تُعتبر سوية من أهم الدول العربية، ولا يمكن تذليل أي مشكلة في المنطقة من غير الوقوف على رأيها. والتحالف بين روسيا من جهة، ومصر والعراق من جهة، هو أقرب الى علاقة موقتة منها الى علاقة دائمة. وعلى خلاف الحلف هذا، العلاقات بين سورية وروسيا وطيدة. ولا غنى عن سورية في العالم العربي. والنفوذ الروسي في سورية يجعل صوتها مسموعاً في العالم العربي. وهو ثمرة علاقة موسكو الجيدة بالرئيس السوري. وفرص استمرار العلاقات المميزة هذه ضعيفة، إذا تخلّت موسكو عن النظام السوري، ومهّدت الطريق لوصول القوى المعادية له والموالية للغرب إلى السلطة. ويحتل ميناء طرطوس مكانة بارزة في سلم أولويات روسيا. وفيه، ترسو السفن الحربية الروسية وتُرابط. وهو قد يتحوّل قاعدةً عسكرية دائمة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط. وفوائده الاستراتيجية كثيرة، وخسارته لا تعوّض. إلى ذلك، يفترض التحالف الروسي - السوري التزام موسكو مواقف تضمن أمن حليفتها عسكرياً وسياسياً. وإذا تخلّت موسكو فجأة عن حليفتها سورية، على ما فعلت مع ليبيا، بعثت الخطوة هذه على الطعن في استقلال سياستها الخارجية، ولطخت سمعتها في العالم وأضعفت هيمنتها. فيعزف كثر في العالم عن التعامل معها على أنها دولة عظمى، في وقت تنتهج نهجاً سياسياً غريباً وملتبساً. * صحافي وكاتب، عن «برافدا» الروسية، 25/5/2011، إعداد علي ماجد