أوباما غاضب، ساركوزي حزين لإفلات النظام السوري من «تنديد» مجلس الأمن، أما مدفيديف فلعله لا يقوى إلا على الفرح برد «الزعيم» بوتين الصاع الغربي في ليبيا صاعاً مدوّياً في سورية. هو رد موسكو على «فلسفة المواجهة» التي اختارها مشروع القرار الأوروبي ذو القبعة الأميركية، للتنديد بقمع المدنيين المتظاهرين في سورية. ضربة «الفيتو» الروسي – الصيني في مجلس الأمن لم تكن بالطبع خبراً سعيداً لتيارات المعارضة السورية وأحزابها، التي بدا قبل يومين أن إنهاءها مخاض «المجلس الوطني السوري» سيبدد ذرائع التردد الغربي إزاء معضلة حماية المدنيين، والبدء بمسار التدويل الفعلي أمام مأزق حلقات القتل المفرغة... فإذا بولادة المجلس تنقل الموقف الروسي – ومعه الصيني – من مرحلة الاعتراض والتفاوض على تعديلات في مشروع القرار، الى مرحلة المواجهة لإسقاطه. ولادة المجلس كانت حافزاً للغرب الذي اطمأن الى مرونة روسيّة، اختفت فجأة لتمهد لإجهاض القرار. وإذا كانت واشنطن مذهولة بالقفزة الروسية في ميدان قد تعتبره موسكو ورقتها الثمينة في الشرق الأوسط، فالحال إن بإمكان بوتين ادعاء تعلّم الدرس العراقي، ومن بعده الليبي خصوصاً، وهو لم يزل ماثلاً. يصدُق ذلك في حساب المصالح، أكثر مما يعطي مؤشرات الى قلق الروس من شهية الأميركي الذي أرخى الزمام في تدويل حقوق الإنسان لحلفائه في حلف شمال الأطلسي... لعل غبار ثورات الربيع العربي والحروب المحتملة، تحجب قوافل الانسحاب العسكري الأميركي من العراق وأفغانستان. لا يخشى الكرملين الآن شهية أطلسية تنفتح على حقوق الإنسان في القوقاز والشيشان، بل يراهن على قنص لحظة يعتبرها مثالية، فيما الغرب وقبعته الأميركية يعانيان اضطرابات اقتصادية، وأرق لجم غضب الشارع المدعو الى التعايش مع مزيد من الفقر والفقراء. موسكو لم تصدّق أن «الأطلسي» لا ينتظر ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في سورية بضعة آلاف أخرى، قبل أن يتكئ على «تحدٍّ أخلاقي» يبيح مجلس الأمن التعامل معه، فيتمدد السيناريو الليبي الى قلب الشرق الأوسط. وأما ديباجة التبرير الروسي ل «المواجهة» التي شهدها المجلس، فلعلها لا تبشّر السوريين في الداخل بما هو أفضل من موجات القتل الجوّال بين شارعي الستين والسبعين في صنعاء، منذ مدّد علي صالح مواجهته مع «الانتهازيين» (هم بالملايين). المَخرج الأفضل في الطروحات التي مهدت لضربة «الفيتو» وواكبتها «أن يجتمع السوريون برعاية دولية، مثلما يحصل في اليمن»!.. حتى ليظن المرء أن موسكو في كوكب آخر، بصرف النظر عن إصرارها على تسمية الاجتياحات العسكرية للمدن والقرى السورية مجرد «إجراءات قاسية»، أين منها «عنف المتطرفين المندسّين في صفوف المعارضين»! ساعة واحدة من 24 حسمت خيار «رئيس الظل» في الكرملين، فلاديمير بوتين، برد الصاع «الليبي» في سورية. هي إذاً طريق مواجهة مع الغرب، طويلة حتماً، ليس بعيداً عنها التصعيد الإيراني ضد رادار «الدرع الصاروخية» في تركيا، وتأرجح العلاقات الأميركية – الروسية على حبال الدرع. لكن الاختبار الأول بعد ضربة «الفيتو» لمنع التنديد بالنظام السوري، حليف موسكو وطهران، لا بد من أن يكون تركياً بامتياز. كان مفترضاً أن يسبق قرار لمجلس الأمن دخول أنقرة ميدانياً الى قلب الحدث السوري، من بوابة «منطقة عازلة» على الحدود لحماية النازحين من سورية والضباط أو العسكريين الفارين. سيناريو مفترض انقلب، وكلما صعّد أردوغان لهجته موبخاً إسرائيل، ازداد التوجس من اشتباك ما على الحدود، بين حليف تركي «بدّل» قفازاته - لينحاز الى الشارع السوري - ونظام لا يرى في الشارع سوى ظلال المؤامرة وأصابعها. الحليف السابق يستعد للعقاب، وأما النظام في دمشق فسيقفز حتماً بعد ضربة «الفيتو» الروسي «التاريخي» الى مرحلة جديدة في سحق «المتآمرين»، مراهناً في آن على مأزق تركي في الداخل وعلى الحدود. قرار موسكو بداية سيئة ل «المجلس الوطني السوري» الذي تبنى إسقاط النظام ورأسه، والأهم لدى السوريين في الداخل أن القرار تجاهل سقوط آلاف الضحايا، ولن يمكنه خفض مراحل المواجهة، بمجرد ادعاء القلق من حرب أهلية تزعزع الشرق الأوسط. وأما الاختبار الشاق اليوم، فهو امتحان أردوغان ووعوده «السورية»... لعله بات وشيكاً، وعسيراً.