«قوم أستاذك»، عبارة تتكرر على مسامع الطلاب في نهاية كل فصل أو عام دراسي بهدف تقويم عطاءاته وتحفيزه على بذل المزيد من الجهد وصولاً إلى نظام تعليمي جامعي أفضل. هذا التقويم لم يكن متاحاً قبل عقود من الزمن ولا يزال في بعض الجامعات من المحرمات ويعتبر تطاولاً على استقلالية المعلم وانتهاكاً لكرامته وتشكيكاً بكفاءاته. واستحوذ التقويم على جدال واسع بين الهيئات التربوية والنقابية والحكومية، ومع كل ذلك بات الطلاب اليوم هم من يتولون عملية التقويم بأنفسهم وبمعزل عن أي تأثيرات خارجية. وتاريخياً انتقل مبدأ التقويم من الأنظمة التعليمية الأنكلوساكسونية وتحديداً من جامعة هارفارد الأميركية في خمسينات القرن الماضي. منذ تلك الفترة مرت عملية التقويم بمراحل متعددة، بدءاً من خضوعها لإدارة الجامعة إلى حصرها بتحسين أداء الأساتذة أو مستوى المحاضرات أو ربطها بمعدلات النجاح وصولاً إلى الأخذ بمعظم هذه المفاهيم التقويمية وتطورها واتساع نطاقها حقيقة. إشكالات التقويم تجمع الهيئات التربوية والتعليمية والنقابية على أن تقويم الأساتذة بحد ذاته ومن أي مصدر أتى يهدف إلى بناء منظومة أكاديمية متكاملة تتوافر لها كفاءات علمية عالية ومناهج تتواءم ومتطلبات العصر. وعلى رغم التوافق على الغاية من تقويم الأساتذة تبقى الإشكالية حول كيفية تقويم الطلاب وتباين آراء أساتذتهم، فضلاً عن مواقف الأحزاب السياسية. ويقول أستاذ الفيزياء في جامعة مونتريال باتريك دونو، إن «تقويم الأساتذة من قبل الطلاب يشكل ضرورة لجامعاتنا إذا أردنا أن نحسن صور التعليم والتأهيل التربوي»، ويضيف: «خلافاً لما يعتقد البعض، فالتقويم ليس بالضرورة مديحاً أو إساءة إلى المعلم». ويقول عن نفسه: «بعض الطلاب كان يلومني مثلاً لأنني أكتب بشكل سيئ على اللوح أو لأن صوتي منخفض نسبياً. وينبغي ألا نأخذ انتقادات الطلاب بمنظور سيئ ولكن كإشارة إلى خلل ما في الأداء لتجنبه لاحقاً». أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة تورونتو عمانوئيل ماتيو، فيقول: «التقويم لم يعد من المحرمات طالما الغاية منه هي لمصلحة التربية والتعليم»، ويضيف: «يمكننا أن نقوم فيلماً أو كتاباً أو مطعماً، ولكن لماذا لا يمكن أن نقوم أستاذاً؟»، فالطالب برأيه ليس زبوناً ولا عاملاً في مصنع، إنه غاية تربوية بحد ذاته وتقويمه ينبغي أن يشمل مضمون المحاضرات والعلاقة مع الأستاذ وتقديم الاقتراحات الهادفة لتحسين الأداء والمستوى الأكاديميين. وفي السياق ذاته تؤكد الباحثة في جامعة أوتاوا باسكال برغمان، إن «التقويم السلبي ازاء أي أستاذ هو بمثابة دافع وحافز لتجنب أي خطأ قد يقع فيه، وليس انتقاصاً من علمه أو كفاءته، فالتقويم يستهدف التعليم وليس المعلم». ولئن أبدى بعض الأساتذة امتعاضهم من تقويم الطلاب، فهذا لا يعني موقفاً شخصياً أو كرهاً لهم ومحبة لغيرهم، ولكن هكذا هي مبادئ اللعبة الديموقراطية التي أصبحت من التقاليد الراسخة في معظم الجامعات في العالم. أما وجهة نظر المعلمين فتعبر عنها باميلا كرافيتوك الخبيرة التربوية في جامعة تورونتو، وتقول: «غالباً ما يثير تقويم المعلمين إشكالات معقدة وانتقادات سلبية هي في مجملها غير جدية ولا منهجية ولا تتضمن رؤية تربوية». وتضيف: «الطلاب لا يأخذون التقويم على محمل الجد، فهم لا يعرفون لماذا يجري التقويم، ويعتقدون أن هذا الملف يرمى في الأدراج ولا يؤخذ به أو يطلع عليه أحد». وتقترح أن تتولى الجامعات توعية الطلاب وتأهيلهم بثقافة تقويم تستند إلى معايير علمية ومهنية دقيقة. واللافت أن حزب التحالف من أجل مستقبل كيبك، طرح أخيراً أمام الهيئات النقابية والتربوية مشروع قانون يقضي بحصول تقويم الأساتذة من خارج الطلاب، فالأساتذة هم جديرون بأن يقوموا أنفسهم بأنفسهم على أساس ملفاتهم الأكاديمية والمهنية. ويعتبر أن علاقة الطالب بأستاذه تتماثل مع علاقة العامل برب العمل، فهو الذي تبقى له الكلمة الفصل في تقويم أدائه وإنتاجيته ومهارته وكفاءته. استمارات التقويم في البدء كانت استمارات تقويم الأساتذة ورقية ومبوبة وتعبئتها سرية وإلزامية. وكانت كما يقول ليو شاربونو أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة (أوكام) تقتصر على معايير محددة: جيد، سيئ، أسوأ مع هامش بسيط للملاحظات، ومع ظهور الكومبيوتر والإنترنت أصبح الطلاب يملأونها من بُعد. أما الموقع الالكتروني WWW.ratemyprofessor.com المعروف تحت اسم «أقوم أستاذي» فهو خارج نطاق الجامعة ولا تحكمه ضوابط أو معايير موضوعية وفيه فيض من غيض الثناء المفرط والإساءة الشخصية والتهكم والتشكيك والنقد اللاذع. ويجري هذا النوع من التقويم وفقاً لدرجات تتراوح بين 1 و5 على شكل نجوم ويشتمل على الأداء وتنظيم العمل والمهارات والمحاضرات، ففي جامعة مونتريال مثلا يقوم 940 معلماً على هذا الموقع في نهاية السنة ويصل متوسط معدلاتهم إلى حوالى 3.49، ما يعني أن نسبة منهم، لا سيما المتعاقدين، يتسبب الطلاب بعدم تجديد عقودهم.