أثبت الإعلام الجديد فائدته لفئات كثيرة من الأقل حظوة، لا ينصفها العالم الواقعي أو يفرض عليها تكاليف تتجاوز طاقاتها. وأبرز هذه الفئات الشركات الناشئة التي تجد في أدوات الإعلام الجديد ملاذاً أقل كلفة توازي فاعليته أحياناً الإعلام التقليدي. ويترافق اتساع انتشار الشركات الناشئة في المنطقة العربية والعالم مع توسّع استخدامات هذه الشركات الإعلام الجديد وأدواته التي تزداد يومياً. فمن مواقع التواصل الاجتماعي التي لم يعد في الإمكان اختصارها بتويتر وفايسبوك، نظراً إلى الأسماء الكثيرة التي برزت في الآونة الأخيرة واكتسبت شعبية، الى المدوّنات وحملات التمويل الجماعي وتطبيقات المحمول (الموبايل) وغيرها، تجد الشركات الناشئة أدوات كثيرة لتعزيز حضورها في العالم الافتراضي، وبالتالي في العالم الواقعي. هذا من دون أن ننسى أن تلك الشركات أصبحت تولّد حاجة إلى أدوات جديدة في العالم الافتراضي، مثل منصات الدَفْع الإلكتروني التي وجدت حلاً لمشكلة أساسية تواجهها شركات التجارة الإلكترونية وهي الدفع عند الاستلام، ومنصات التمويل الجماعي التي أصبحت ملاذ شركات كثيرة تعذّر حصولها على تمويل من مستثمرين. تخفيف عبء التسويق ويعدّ التسويق والإعلان أكثر الجوانب تكلفة في عمليات الشركة الناشئة، وكانا ليشكّلان عقبة في طريق ازدهارها لولا وجود أدوات الإعلام الجديد. ويسوّق رواد الأعمال لشركاتهم الناشئة بشكل أساسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تكلّفها سوى المتابعة والمواظبة على نشر مواد تتعلق بمنتجاتها وعروضها ومشاريعها. وأصبح بعض الشركات يعدّ حملات تسويق وإعلان منظمة على شبكات التواصل تشمل إضافة إلى الإعلانات المكتوبة، فيديوات تسويقية ازداد إنفاق الشركات عليها عام 2013 بنسبة 300 في المئة مقارنة بعام 2012، بالإضافة إلى المحتوى الإعلاني المَرعي، Sponsored content، الذي يسوّق خدمات الشركة الناشئة على مواقع إلكترونية إخبارية. وأطلقت خدمات لمساعدة الشركات الناشئة على التسويق لنفسها والتعريف بمنتجاتها وأشهرها «بيان برس» التي أطلقتها في نيسان (أبريل) 2012، شركة حسوب، www.hsoub.com، وهي خدمة مجانية لنشر البيانات الصحافية العربية، تهدف إلى مساعدة الشركات الناشئة على التعريف بمنتجاتهم وتيسر للصحافيين والكتّاب التعرف الى آخر أخبار تلك الشركات. وكما في العالم الواقعي كذلك في العالم الافتراضي، تستعين الشركات الناشئة بزبائنها للتسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يكتب هؤلاء عنها أو يشيرون إليها في «أحاديثهم» أو يشاركون أخبارها عبر صفحاتهم. ويمكن تسمية ذلك «التواتر الافتراضي» وهو أثبت أنه أداة أولية فعّالة وأقل كلفة لتعريف الناس بالشركة الناشئة قبل الانتقال إلى أساليب أخرى أكثر تطوراً واستهدافاً. ومثلما لجأ الصحافيون المستقلون إلى المدوّنات كواجهات لنشر مقالاتهم، تلجأ الشركات الناشئة أيضاً إلى المدوّنات لتكون واجهتها الإعلامية، تنشر عليها ما تراه مناسباً حول خدماتها ومنتجاتها وعروضها، بدلاً من المواقع الإلكترونية التي قد لا تكون كلفتها في متناول بعض الشركات الناشئة. وعلى غرار تعزيز حضور الشركات في العالم الواقعي، يمكن تعزيز حضور الشركات الناشئة في العالم الافتراضي من طريق التركيز على تعزيز ظهور الشركة في محركات البحث، من خلال بعض الاستراتيجيات والتقنيات. بالإضافة إلى الوب، تلجأ شركات ناشئة في المنطقة إلى التسويق لنفسها عبر الإعلانات على المحمول نظراً إلى ارتفاع نسبة مستخدميه في المنطقة. فقد أظهرت دراسة أجرتها «غوغل» أن نسبة انتشار الهواتف الذكية في الخليج، مثلاً، بين أعلى النسب في العالم، إذ تصل إلى 74 في المئة في الإمارات و73 في المئة في السعودية. وأصبح من الضروري أن يكون للشركات الناشئة مواقع إلكترونية معَدة خصيصاً لمستخدمي الهواتف الذكية. وولدت تطبيقات للتسويق عبر المحمول بعضها كان موضوع شركات ناشئة جديدة وبعضها الآخر ولد لتلبية حاجات لهذه الشركات. ولد مفهوم التمويل الجماعي في الآونة الأخيرة، من حاجة أساسية لدى رواد الأعمال، ألا وهي الحصول على تمويل عند تعذّر إيجاد مستثمرين يؤمنون بفكرة الشركة الناشئة أو يكونون مستعدين لتمويلها. وأطلقت هذا المفهوم عام 2009، منصة «كيكستارتر» Kickstarter الأميركية التي تُعتبر الآن أكبر منصات التمويل الجماعي في العالم، وتهدف إلى مساعدة الشركات الناشئة والمخرجين والفنانين المستقلين في تمويل مشاريعهم. وولدت منصات أخرى بعد ذلك، أبرزها في «إندي غوغو» Indiegogo، وكان للمنطقة العربية أيضاً حصّتها من هذه المنصات وأبرزها «ذومال» التي انطلقت العام الماضي. وتحدد الشركة أو أي طرف يحتاج إلى التمويل، المبلغ المطلوب جمعه من المانحين، ويعرف بالمنتج الأولي أو الخدمة أو المشروع ويعرضه، إذا كان الأمر ممكناً كي يختبره المستخدمون ويصادقوا عليه. ولا تقدّم حملات التمويل الجماعي التمويل لرائد الأعمال فحسب، بل تساعده على تسويق منتجه الأولي،عبر مشاركته على صفحاتها الاجتماعية. سيف ذو حدّين وتقول رين فرحات، محررة اللغة العربية في موقع «ومضة»، www.wamda.com، إن الإعلام الجديد سيف ذو حدين، فرغم تدنّي كلفته واتساع نطاقه والخيارات اللامتناهية التي يقدّمها للشركات، يبقى من الضروري التنبه عند التسويق عبره وخصوصاً معرفة كيفية التعامل مع ردود الفعل السلبية. وتضيف: «يجب التحلي بالتواضع والاعتراف بالأخطاء علناً، واستهداف الجمهور بمحتوى وخدمات تلائمه وتتناسب مع ثقافته وعاداته». وتسلّط فرح شمص منسقة البرامج في مؤسسة «بادر» baderlebanon.com بدورها، الضوء على مسألة الارتفاع الهائل في عدد الشركات الناشئة التي تسوّق عبر الإعلام الاجتماعي لخدماتها ومنتجاتها، وتقول إن «هذا الأمر يضاعف التنافسية ويجبر الشركات على بذل مزيد من الجهود لإبراز نفسها، الأمر الذي يتنافى مع السبب الأساسي الذي يقود الشركات إلى الإعلام الجديد، أي السهولة والتوفير». وتشدد شمص على ضرورة عدم اتكال الشركات الناشئة بشكل حصري على الإعلام الاجتماعي «لأن ذلك يمنعها من التفاعل بشكل مباشر مع الزبائن. فالتغريد على تويتر أو نشر مواد حول الشركة على فايسبوك لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون بديلاً من الفعاليات خصوصاً بالنسبة إلى الشركات التي تطرح منتجات وليس خدمات، لأن الزبائن بحاجة لرؤية المنتج وربما لمسه واختباره وتجربته للمصادقة عليه».