رغم أمواج التفاؤل التي شاعت في ضوء اللقاءات المتكررة التي جمعت بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، من الواضح أن المصافحات الحميمة والابتسامات العريضة التي تبادلاها ما هي إلا مظاهر شكلية غير مبشرة. فالمصالحة مازالت غائبة ولم تُجسد على الأرض حتى هذه اللحظة. بل العكس صحيح، فالمماحكات مازالت مستمرة من الجانبين معاً. في الضفة الغربية الاعتقالات بحق عناصر «حماس» وملاحقتهم لم تتوقف ومنع إصدار جوازات السفر لكوادر حماس من أبناء غزة مازال قائماً، أما في غزة فإن «حماس» منعت أخيراً وفداً من أعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح» من دخول القطاع، وكذلك فإن استدعاء كوادر حركة فتح هناك مازال مستمراً. هذا يدلل على أن عباس ومشعل معاً لا يملكان القدرة أو الإرادة على إنهاء الانقسام من خلال تنفيذ ما تم توقيعه والتوافق عليه فلسطينياً في الورقة المصرية للمصالحة لتجسيدها على أرض الواقع. مصالحة آنية بات جلياً أن ما يجري في أروقة المصالحة هو تحقيق لمصالحة آنية، كل طرف في حاجة إليها (...) أبو مازن كان ومازال في حاجة إليها (المصالحة) سواء في أروقة الأممالمتحدة عندما ذهب إلى هناك في أيلول (سبتمبر) الماضي وأراد أن يعزز مكانته بصفته رئيساً للشعب الفلسطيني كله. وكذلك هو معني تماماً بالتقرب من الإسلاميين الذين باتوا يسيطرون الآن في معظم البلدان العربية بعد ثورات الربيع العربي، وبخاصة أن الإدارة الأميركية لم تعد تتحفظ عن التعامل معهم بل إنها دعت إلى ضرورة إعطائهم فرصة، لذلك فإن فرصة عباس في أن يجعل هذه الدول - التي هو قطعاً في حاجة إليها - حلفاء له فيما هو على قطيعة مع حركة «حماس» التي تمثل وجهاً آخر للإسلام السياسي في فلسطين صعب المنال، وبالتالي لا بد له من التقرب من «حماس» والمصالحة معها ولو شكلياً باعتبارها البوابة والمدخل إلى دول الربيع العربي. أما «حماس» فإنها أرادت أن تظهر للإسلاميين أنها مع الوحدة، لأنها تدرك أن أي تغيير سيطالبها بإنهاء الانقسام، لأن استمراره لن يمنحها الشرعية، خصوصاً أن حركة «حماس» ترى أن بإمكانها الفوز مرة أخرى في الانتخابات المقبلة وأنها ستكون حلقة متصلة مع حلقات دول الربيع العربي. ولكن يبدو أن هذه الرؤية التي تملكها قيادة «حماس» لا يؤمن بها كثير من أفرادها، وهذا ما يعكسه الواقع وسلوكها على الأرض في غزة. لا يمكن بالطبع أن نغفل الوضح الحالي في سورية وخسارة حماس حاضنة كبيرة لها وغير مسبوقة مثل سورية، لذلك فإنها ستسعى للحصول على حاضنة أخرى، وذلك لن يكون متاحاً في ظل الانقسام. تغيير القيادات هذه المعطيات تؤشر إلى أن هناك فراغاً سياسياً وأن الشعب الفلسطيني بات يفتقر إلى قيادة رشيدة قادرة على إخراجه من عنق الزجاجة (...) وأنه أصبح في حاجة ماسة إلى تغيير هذه القيادات وضخ دماء جديدة قادرة على فرض رؤيتها ولديها إرادة حقيقية في تحقيق أهدافها الوطنية وعلى رأسها إنهاء الانقسام بخاصة في ظل التحديات غير المسبوقة والتي تهدد القضية الفلسطينية برمتها بعد أن أصبح ضياع مدينة القدس بسبب إهمالها وعدم الالتفات إليها قاب قوسين، والصورة التي وزعتها الحاخامية العسكرية في الجيش الإسرائيلي الشهر الماضي للحرم القدسي لا تظهر فيه قبة الصخرة المشرفة تدلل على الخطر الحقيقي الذي يدهم القدس، وكذلك القضايا المتفجرة الأخرى والتي لا تقل خطورة، وهي المستوطنات التي ابتلعت اكثر من 75 في المئة من أراضي الضفة الغربية، ورغم ذلك لا تجد هناك من يحرك ساكناً. ناهيك بقضية اللاجئين والتي من الأفضل عدم الخوض فيها تجنباً لنكء الجراح. ورغم كل هذا فإنه عند أول فرصة لاحت للقيادة الفلسطينية اتخذت قراراً فورياً بالعودة إلى طاولة المفاوضات من دون مقدمات وبغض النظر عن موقف الشعب الفلسطيني، وكأن التوافق الذي جرى أخيراً في القاهرة على عنوان منظمة التحرير واجتماع الإطار الموقت لها، تم استخدامه لشرعنة هذه المفاوضات رغم إرادة الفلسطينيين الذين باتوا لا يثقون بهذه المفاوضات ويصفونها بالعبثية. السؤال الذي يفرض نفسه دائماً هو أين الشعب الفلسطيني من هذا كله؟ ولماذا يترك قيادات فصائلية تحركها مصالحها الذاتية تقرر مصيره وتتحكم فيه، فهل هو غائب أم مستنكف؟ يبدو أن كلا الحكومتين في الضفة وغزة نجحت في إبقاء الشعب الفلسطيني رهينة البحث عن لقمة العيش لإشغاله عن قضايا أمته في البحث عن قوت يومه. قد يكون الأمر أفضل بالنسبة إلى فلسطينيي الشتات والذين يشكلون قوة لا يستهان بها عدداً وكفاءة، وهم ممثلون في منظمة التحرير الفلسطينية الحاضنة الشرعية للشعب الفلسطيني، لكن عليهم أن يتخلوا عن سلبيتهم وانشغالهم بأمورهم ليتحركوا مخلصين لإنقاذ قضيتهم، فليس من حق الفصائل التي لا تمثل في أحسن الأحوال أكثر من 25 في المئة من الشعب الفلسطيني أن تفرض أجندتها عليه، خصوصاً أنها خاسرة، ولم تثبت جدواها، سواء على الصعيد الداخلي أم الصعيد الدولي. * صحافية فلسطينية من أسرة «الحياة»