رَفَع الكادر الطبي الجديد، للممارسين الصحيين السعوديين، رواتب العاملين في مستشفيات وزارة الصحة، وجعل مستشفياتها جاذبة للكفاءات السعودية، لكنه خلق مشكلة أساسية، وإن شئت خطيرة، على مستوى نوعية الخدمات الطبية في البلد. وهو جمّد رواتب نصف الممارسين الصحيين في المستشفيات التخصصية، وساوى بين جراح عام، وآخر متخصص في زراعة الأعضاء وعلاج السرطان، وقتل رغبة الطبيب السعودي في التخصصات النادرة. الكادر الجديد يهدد برحيل الأطباء السعوديين المميزين، الى دول مجاورة، حيث تصل رواتبهم في الدول الأخرى الخليجية الى أكثر من ثلاثة اضعاف ما يحصلون عليه في بلدهم، ناهيك عن بَدَلات هائلة تصل الى مرحلة الترف. وخلال الأشهر الستة الماضية هاجر 10 أطباء من أفضل الخبرات، للعمل في دول خليجية والباقون يحزمون أمتعتهم، وهناك عشرات المبتعثين الى مستشفيات تخصصية في اميركا، سيفقدهم البلد، لأنهم لن يعودوا، بسبب تجميد ترقياتهم، وخفض رواتبهم، فضلاً عن ان السعودية ستصبح خلال السنوات المقبلة بلداً مستورداً للخبرات الأجنبية في شكل دائم وبمبالغ ضخمة جداً. لا شك في ان هذا النظام فرَّق بين الطبيب السعودي والطبيب الأجنبي، وعلى نحو غير عادل، ينطوي على تمييزٍ غير مبرر أو مفهوم، وترفضه القوانين الدولية. فالأجنبي، بات يحصل على أربعة أضعاف راتب الطبيب السعودي، رغم أنهما في التخصص ذاته، فجراح زراعة كبد أجنبي راتبه 250 ألف ريال، وزميله السعودي الذي يفوقه قدرة وخبرة، يحصل على 60 ألف ريال. بعد هذا الظلم، كيف يمكن إقناع الطبيب السعودي بالبقاء في بلده، وهو يرى ان جنسيته اصبحت وسيلة لغمط حقه، وتطفيشه من بلده. الأكيد ان الكادر الطبي الجديد سيقضي على مستشفيات تخصصية جبارة مثل «مستشفى الملك فيصل التخصصي»، و «الحرس الوطني»، و «قوى الأمن»، والمستشفيات العسكرية التي حققت إنجازات عالمية، بفضل أطباء سعوديين خلاّقين، وأنفقت عليها الدولة عشرات البلايين... فضلاً عن ان هذا الكادر سيزيد طوابير المرضى في المستشفيات التخصصية الحكومية، والإصرار عليه سيجعل المملكة تتنازل طوعاً عن خبرات وطنية يصعب تعويضها، وتتخلى عن مكانتها الطبية التي اصبحت الأهم في دول العالم الثالث. فَمَن يمنع هذه الكارثة الطبية، مَنْ يتدخل لوقف هجرة الطبيب السعودي؟