مع إصرار الحكومة العراقية على أنها لن تكون مع أميركا على إيران، مثلما لن تكون مع إيران على أميركا، إلا أن هذا الموقف «الحيادي» لن يبعد عن البلاد نتائج التصعيد بين واشنطن وتل أبيب من جهة وطهران من جهة أخرى، لا سيما مع تهديد الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز الذي يعني بوابة النفط العراقي إلى العالم، لا سيما أن منافذ التصدير لا تتعدى اليوم سوى «ميناء (البكر) البصرة» على الخليج ويمر من خلاله معظم النفط العراقي المصدر وميناء جيهان التركي. في هذا الصدد يقول وزير النفط العراقي السابق عصام الجلبي إن لا خطة حقيقية لدى بغداد لمواجهة احتمال إغلاق مضيق هرمز، مؤكداً في تصريح إلى «الحياة» أن «لا يوجد للعراق أي بديل، فالخط العراقي عبر السعودية متوقف منذ غزو الكويت في آب (أغسطس) 1990». أما الخط التركي الناقل للنفط من كركوك إلى ميناء جيهان التركي (يصدر من خلاله نحو 500 ألف برميل يومياً) فيشير الجلبي إلى أن «الخط ومنذ إنشاء المرحلة الأولى منه عام 1976 والمرحلة الثانية 1987 لم يشهد أي عمليات صيانة جدية ما جعله أقرب إلى التآكل ما قلل من قدرته التصديرية». وعن البديل الذي يمكن أن يوفره «الخط السوري» قال الجلبي إن «الجزء المار من الأنبوب داخل سورية تستخدمه دمشق وكان العراق يستخدمه منذ عام 2000 في تهريب 200 ألف برميل يومياً تنقل إلى المصافي السورية». وما إذا كان تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز جدياً قال الجلبي: «إنه مجرد تهديد أكثر مما هو حقيقة، وفي حال مضت إيران جدياً في تهديدها فإن ذلك قد لا يستمر إلا لفترة وجيزة»، موضحاً: «أن هذه ليست هي المرة الأولى التي تهدد فيها إيران بإغلاق المضيق». ويجمع مسؤولون في الدولة العراقية ضمن البرلمان والحكومة، على أن أضراراً ستلحق بالاقتصاد العراقي إذا أغلق المضيق، لا سيما أن نحو 75 في المئة من النفط العراقي المصدر يمر عبره، أي أن البلاد ستخسر نحو مليوني برميل تصدر اليوم عبر ميناء البصرة. ويرون أن على العراق «إعادة تأهيل الخط الاستراتيجي الناقل للنفط العراقي إلى البحر الأحمر (عبر السعودية) الذي تم بناؤه في ثمانينات القرن الماضي أو بناء خط جديد لإنقاذ البلاد من الأزمة المقبلة التي ستحل بالعراق في حال إغلاق مضيق هرمز». وتعترف وزارة النفط العراقية بأن صادراتها ستتأثر في شكل كبير في حال اندلاع مواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران في منطقة مضيق هرمز، إلا أنها تؤكد أن هذا التأثر لن يدوم طويلاً بسبب توجهها نحو استحداث خطوط تصدير جديدة. ويقول مسؤولون إن «دول المنطقة كلها ستتأثر اقتصادياً في حال نفذت إيران تهديداتها، والعراق على رأسها، كونه يعتمد في 95 في المئة من موازنته على عائدات النفط الخام المصدر». وتبدو البدائل العراقية مأزومة سياسياً فضلاً عن كونها ستستغرق وقتاً طويلاً إن تم البدء بتنفيذها الآن، فتجديد الخط التركي رهن بالأزمة المتفجرة بين بغداد وأنقرة التي شهدت في آخر فصولها تصعيداً خطيراً تمثل بإطلاق صاروخ كاتيوشا على السفارة التركية في بغداد. كما أن مشروع مد أنبوبين للنفط الخام إلى سورية يحتاج إلى وقت طويل، وحتى تجديد الخط القديم، قد يغدو أطول مما خطط له مع التحولات التي قد تشهدها السلطة في سورية، على رغم أن بغداد تراهن على استمرار النظام في دمشق اعتماداً على أن «الحليف الأكبر» أي طهران لن يترك نظام الأسد في مهب الريح مهما كان الثمن. تاريخ يعيد نفسه... بالمقلوب تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز لم يكن جديداً على العراق، ولكنه جديد تماماً إذا ما تعلق الأمر بتاريخين، فالعراق في ثمانينات القرن الماضي، كان في أزمة مع جيرانه الإيرانيين وحلفائهم السوريين، بينما كان العرب كلهم والخليجيون في شكل خاص، معه وبقوة، فضلاً عن تركيا، وهو ما سهل له الابتعاد عن الخطر الإيراني في الخليج وإيصال شحناته النفطية عبر تركيا والسعودية والكويت أيضاً. اليوم تبدو علاقات العراق على النقيض، ذلك أن حكومته في حال تصعيد دائم مع محيطه العربي، فضلاً عن كونها تعمل بقوة على أن تكون حليفة لطهران وجناحها دمشق، حتى وإن كانت الأولى ستخنقها اقتصادياً في حال نفذت تهديدها بإغلاق مضيق هرمز! وبدلاً من العمل على توثيق العلاقات مع تركيا، كونها ستكون الممر الوحيد للنفط العراقي، تختار بغداد التصعيد مع أنقرة عبر سيل من الاتهامات والتحذيرات الشديدة اللهجة حول «إمكان تدخل العراق في الشؤون الداخلية لتركيا (...) كردٍّ على التدخل التركي في شؤونه». خيارات العراق تبدو مأزومة، انطلاقاً مما يقول كثيرون داخل البلاد وخارجها، من أن «حكومة تصعد على شركائها وتعمل على تأزيم الأوضاع السياسية بعامة، لا يمكنها أن تنتهج خيارات هادئة وبعيدة من التأزيم في علاقاتها الخارجية وبخاصة مع الدول العربية»، موضحين أن السلاح الاتهامي الفاعل بات واحداً في التصعيد داخلياً وخارجياً، ف «الشركاء متهمون بدعم الإرهاب والدول العربية كذلك».