نهاية الأسبوع الماضي كنت على موعد صحافي مع مسؤول أممي للحديث عن دول الربيع العربي، خصوصاً الحالة المأسوية الحالية في سورية. اشترط ذلك المسؤول قبل الموافقة على اللقاء أن يكون الحديث بيننا ليس للنشر، وإنما للدردشة وسماع الرأي حول الأوضاع المستقبلية في البلدان العربية. تلكأت في القبول بداية لعدم موافقته على لقاء يتم في النور ولا ينشر، لأن متعة الصحافي تكمن في نشر المعلومة الجديدة للقارئ. وترددت رغبة في عدم تكبد عناء الذهاب والإياب، وفي المحصلة حديث مع مسؤول لا ينشر، ولو تحت صفة «مصدر مسؤول». وصلت إلى بهو الفندق الفخم الذي يقيم فيه ذلك المسؤول في إحدى العواصم الخليجية قبل الموعد ب15 دقيقة. على الموعد المحدد حضر ومعه مرافق واحد فقط. أقبل وتبسم، وكنت أتحدث في هاتفي مع زميل آخر، وصافحته والهاتف على أذني وقال بكل لطف: «تفضل أكمل مكالمتك»، ثم أخذ مكانه وجلس، وتظاهر مرافقه بالانشغال ليتيح لنا فرصة الحديث الثنائي، ويبدو أنه من طلب منه ذلك. أنهيت المكالمة سريعاً، وسألته من دون مقدمات عن الطقس والمناخ والأحوال، كيف يرى الأوضاع في سورية؟ وهل سيُجْبَرُ بشار الأسد على الرحيل، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وأعاد لي السؤال نفسه بقوله أود أن أعرف رأيك أولاً إلى أين ترى الأمور تتجه؟ وحتى افتح المجال للحوار لئلا يتحفظ على ما لديه من معلومات، قلت أولاً اللقاء لن ينشر وحديثنا للتاريخ وسردت رأيي. قال: لا شك في أن بشار الأسد سيرحل عاجلاً أم آجلاً، لكن السؤال هو كيف؟ ومتى؟ واستطرد أن الرئيس السوري يهرب من مطالب شعبه ولا ينفذ إصلاحات ولديه مشكلة، فهو يكذب ويكذب على الكل من دون استثناء، على رغم أن غالبية الدول العربية والغربية ساعدته حينما تسلم السلطة في بلاده، ومنح فرصاً متعددة كونه رئيساً شاباً، وكان الأمل أن يبدل الأوضاع في بلاده ويدشن إصلاحات حقيقيةً تجعل منها نموذجاً جيداً في المنطقة. لكنه في كل مرة يبرر ويراوغ ولا يقول الحقيقة، ويعتقد أن تحالفه مع إيران والتلاعب بالشعارات سينقذ حكمه ويبقيه على سدة الحكم للأبد، مؤكِّداً أنه راحل، لكن متى وكيف؟ هذه ستتضح مع تصاعد الأمور في الفترة المقبلة. قلت: وما هو الحل الأممي لمساندة الشعب السوري حتى لا يسحق هذا «المتهور» شعبه، وهو ينفذ المجازر ويحاصر المدن والقرى والعالم يتفرج؟ قال: ليس من حل أفضل من استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يساعد المجلس الوطني والشعب في الداخل، حتى يمكن إسقاطه وإزاحة نظامه. وأضاف: أمامه حل وحيد يحفظ ماء وجهه وعائلته، وهو قبوله بمبادرة لتنحيه على غرار ما حصل عليه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. سألته: وهل تعتقد أنه سيقبل بذلك؟ ردَّ بقوله: من واقع المعرفة به وبمن حوله لا اعتقد أنه سيقبل، وإن قبِلَ فهو يراوغ لكسب الوقت للقضاء على المزيد من المناهضين لنظامه. ثم تسرعت وقاطعته - وهي عادة «غير جيدة» عجزت عن التخلص منها – وقلت: هل تقصد أن نهايته ستكون أشبه بنهاية معمر القذافي أو صدام حسين؟ قال: اعتقد أن ذلك ما سيحدث إن لم يتنحَّ أو يغادر سورية. قلت: وماذا عن مندوب سورية لدى الأممالمتحدة؟ هل تصدقون هذا الرجل في ما يقول وما ينافح به عن نظام ديكتاتوري، وكأنه لا يرى ولا يسمع ما يجري لأبناء شعبه من قتل برصاص الجيش و»الشبيحة»؟ قال: من الواضح أنه لا يكترث بمعاناة شعبه، وهدفه الدفاع عن النظام فقط. ثم زاد أنه صديق للسفير الإيراني لدى الأممالمتحدة، وهو متزوج من سيدة إيرانية وقوة علاقته بإيران كعلاقة بلاده بها. عقد هذا المسؤول مقارنة سريعة بين نظامي القذافي والأسد، فرأى أن الأول مجنون ومجرم، والثاني كذاب ويتغاضى عن الإجرام. وقال: كان على الاثنين أن يرحلا، الأول رحل بنهاية فظيعة، والثاني سيرحل بنهاية مؤلمة أيضاً. الأكيد، ومن واقع مجريات الأحداث وتسارع وتيرتها، أن المنتظر هو رحيل بشار، ولم يعد الأمر سوى مسألة وقت، ولا يمكن لشعب يصمد هذه الفترة الطويلة أمام رصاص «الشبيحة» وتنفذ ضده مذابح ومجازر وقتل للأطفال والنساء في حماة وحمص وغيرهما أن يتنازل عن حقه، ويهدر دمه سُدَىً، حتى يتصالح مع نظام قاتل، لكي يبقى بشار على كرسيه. اعتقد أن الصورة باتت أكثر وضوحاً، ولن تحتاج إلى التحميض والتلوين و»الفوتوشوب»! غداً حلقة ثانية. [email protected] twitter | @JameelTheyabi