الأرجح أن يمضي مطلع القرن ال 21 باعتباره الزمن الذي شهد انطلاق «الروبوت - السلاح» وحروبه. شهدت ساحات المعارك هذا السلاح الذي جاء بفضل التقدّم المتسارع في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة. وفي العراق وأفغانستان وليببا، استخدم الجيش الأميركي «الروبوت- السلاح» بكثافة، فأدى مهمات متنوّعة مثل الكشف عن المتفجرات وتفتيش الانتحاريين وإخلاء الجرحى، إضافة إلى مهمات الاستطلاع المؤتمت، ولعب دوراً لوجيستياً بارزاً في التواصل بين الأقمار الاصطناعية ونُظُم الرصد والمراقبة المحمولة جواً، وبين فيالق الجند وفرقها على الأرض. وفي حروب الشرق الأوسط وصراعاته، شهدت البشرية بداية سباق مميت من نوع جديد في ميداني السلاح والإنسان الآلي «الروبوت» أخيراً، تمثّل في تطوير أسلحة على شكل روبوتات Robot- Weapon. في غياب معاهدات شغلت آلات قاتلة من نوع «الروبوت - السلاح» خيال هوليوود طويلاً. ولعل نموذجها الشهير هو فيلم «تيرميناتور» (بطولة أرنولد شوارزنغر). في المقابل، رأى نويل شاركي عالِم الكومبيوتر البريطاني من جامعة «شيفيلد»، أن ما حصل لا يزيد على كونه الولادة الأولى في هذا السباق، الذي ربما فاق ضراوة السباق في أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيماوية وبيولوجية وغيرها. وبوضوح، رأى شاركي أن المشكلة الأبرز تتمثّل في غياب حرب «الروبوت- السلاح» عن المعاهدات الدولية والمواثيق الأممية المتصلة بالحروب. وتالياً، دعا إلى الشروع فوراً في مفاوضات عالمية للتوصل إلى صوغ تشريعات مناسبة لهذا الشأن الذي لم يعد ضرباً من الخيال، ولا جزءاً من توقّعات المستقبل، بل أنه شيء مُعاش حاضراً. ويشير مؤيّدو «الروبوت-السلاح» إلى أن الآلات تبعد الخطر عن حياة الجنود. وعلى عكسهم، يشدّد شاركي على أنها تثير أسئلة أخلاقيّة، لأنها ستقع في أيدي الإرهابيين، عاجلاً أم آجلاً. وألقى شاركي خطاباً رئيسياً بهذا المعنى خلال مؤتمر عقد في لندن، تحت رعاية «معهد الخدمات الملكيّة المتحدة» الذي يضمّ فرقاً من خبراء الدفاع والأمن . وبيّن شاركي إنّ بلداناً كثيرة، في طليعتها الولاياتالمتحدة، تطوّر أسلحة على شكل رجال آليّين. ونقل عن تقرير صدر في كانون الأوّل (ديسمبر) 2009 عن البنتاغون، أن تلك البلاد أنفقت قرابة 4 بلايين دولار سنوياً، بين عامي 2005 و2010، على ما برنامج حمل اسم «النُظُم غير البشريّة السهلة الاستخدام». وأضاف شاركي أن البنتاغون نشر قرابة 4000 «روبوت- سلاح» على أرض العراق. وبحلول تشرين الأول (أكتوبر) 2006، حلّقت طائرات مؤتمتة من دون طيّار، لمدد فاق مجموعها 400 ألف ساعة. وأشار إلى أن الإنسان يقف دوماً خلف قرار استخدام هذا النوع المؤتمت من القوّة، إلا أنه يتوقّع أن يتغيّر هذا الأمر مع التشديد المتزايد على «الأسلحة المستقلّة» التي تقرر بنفسها من تقتل ومتى وأين.وأوضح شاركي أن كندا وكوريا الجنوبيّة وأفريقيا الجنوبيّة وسنغافورة وإسرائيل والصين وبعض الدول الأوروبيّة وروسيا والهند تشارك أيضاً في سباق «الروبوت- السلاح». واستطاعت روسيا والهند تطوير مركبات قتاليّة جويّة متقدّمة المواصفات، ولا يقودها بشر. وتعبيراً عن قناعة راسخة، رأى شاركي، وهو المؤلف الرئيسي لمسلسل تلفزيوني اسمه «حرب الرجال الآليّة» الذي يتحدّث عن التنافس في مضمار «الروبوت-السلاح»، أن انتشار حروب «الروبوت- السلاح» يخرج هذه الآلات عن سيطرة العنصر الإنساني. وقال: «لن نتمكن من إعادة الجنيّ إلى الفانوس... حالما تبصر هذه الأسلحة الجديدة النور، يُصبح من السهل جداً استنساخها. كم يطول الوقت قبل أن يتنكبّ الإرهابيون مشقة الحصول عليها؟ في مرحلة تالية، تهبط أسعار تلك الأسلحة وتتوافر قطع غيارها حتى للهواة. وحينها، لن يتطلّب الأمر مهارة عالية لصنع أسلحة مستقلّة على شكل روبوت». وضرب شاركي مثلاً على كلامه بالإشارة إلى أن صنع طائرة-روبوت صغيرة توجه بواسطة «النظام الشامل لتحديد المواقع» («جي بي أس» GPS)، يكلّف حاضراً أقل من خمسة آلاف دولار تقريباً. أخلاق الموت المؤتمت تحدّث شاركي عن المسائل الأخلاقيّة المُربكة التي ترافق هذه الأسلحة. وقال: «الروبوتات كناية عن آلات خرقاء، بالكاد تتمتع بقدرة حسيّة. يعني هذا الأمر أنه لا يمكن ضمان أنها تميّز بين المقاتلين والأبرياء أو تستخدم القوة في شكل نسبي، كما تنص قوانين الحرب بين البشر حاضراً. من الواضح أن هنالك حاجة مُلِحّة لأن ينهض المجتمع الدولي بتقويم أخطار هذه الأسلحة الجديدة بسرعة، عوضاً عن فعل ذلك بعد أن يكون «الروبوت- السلاح» شقّ طريقه نحو الاستعمال الشائع». ومن المستطاع النظر إلى الدور الذي لعبته القوات المؤتمتة الأميركية في حرب ليبيا بإعتباره تجسيداً أول لمفهوم «نُظُم القتال المستقبلية» Future Combat Systems (اختصاراً «أف سي أس» FCS)، التي وصفها شاركي. وبقول موجز، تتألّف هذه النُظُم من أربعة مكوّنات أساسية هي «المركبات البريّة التي يُشغّلها سائق» Manned Ground Vehicles، و»النُظُم غير المُدارة بشرياً» Unmanned Systems، و»شبكة نُظُم القتال المستقبلية» Future Combat Systems Network ، والجنود. في السياق عينه، أعرب جايمس كانتن خبير التقنيّات العسكريّة في «مجلّة الدفاع الوطني» الأميركية الوثيقة الصلة بصناعة الأسلحة في الولاياتالمتحدة، عن قناعته بأن تقنيات حرب «الروبوت- السلاح» تتقدّم بسرعة كبيرة. وأضاف أن وتيرة هذا التقدّم تذكّر ب «قانون مور» في الصناعة الإلكترونية الذي لاحظ أن قدرة رقاقة الكومبيوتر تتضاعف كل سنتين تقريباً. وأستنتج كانتن أنه إذا انطبق «قانون مور» على «السلاح-الروبوت»، تتطوّر هذه الآلات بسرعة لتعمل في شكل مستقل. وفي خطوة تالية، يحلّ «السلاح- الروبوت» سريعاً مكان الأسلحة التي تعمل بواسطة جهاز تحكّم من بعد، بل ربما طغى الروبوت على البشر في وحدات القتال. وأقرّ كانتن بأن «السلاح - الروبوت» ربما استقبل بفرح في الولاياتالمتحدة، لأنه يخفض الخسائر في الأرواح. وفي المقابل، لربما وُلِد من تلك الأسلحة سيناريو مربك، لأن جيوش الروبوت مُكلفة، كما أن حياة كثير من الجنود تظلّ دوماً على المحك.