جرت العادة بخاصة في الحقل الأكاديمي العربي أن يتم تكريم المُبدعين والمتفوقين في مناسبتين: بلوغ سن التقاعد، والوفاة، وغير ذلك قد يتم استثناء، وقد تُثار حوله الأقاويل. وبالمخالفة لهذا «العُرف» نظم مُحبو وزملاء وتلاميذ المحقق والمؤرخ المصري الدكتور أيمن فؤاد السيد، بالإضافة إلى ناشره محمد رشاد، احتفالية في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة أخيراً لمناسبة صدور كتاب تذكاري مُهدى إليه ضم 20 بحثاً في 684 صفحة، عن الدار المصرية اللبنانية. في كلمته أشار الدكتور أحمد زكريا الشلق، إلى أن الدكتور عبادة كحيلة (رحمه الله) صاحب فكرة كتاب البحوث المُهداة إلى أيمن فؤاد السيد، ليكون على غرار كتاب المؤرخ الراحل رؤوف عباس وعكف على جمع أوراقه وأعد مقدمته، ولكن وافته المنية قبل إصداره. بينما لفت الدكتور حسين نصار إلى أن أول كتاب ظهر في الشرق ضم مقالات مُهداة إلى شخصية، كان للدكتور طه حسين وأشرف عليه حينذاك د. عبدالرحمن بدوي. وأشار إلى أن المُحتفى به ساهم في إثراء الثقافة العربية والإسلامية في جوانب التحقيق، وأخذ من المُستشرقين منهج تحقيق المخطوطات، وأخلص في التحقيق إخلاصاً تاماً، كما أن المقدمات التي قدم بها تحقيقاته كافية وافية لمضمون المخطوط المُحقق، ولكن علمه واجتهاده أنصفاه ضد ظُلم البعض له. وأشاد الدكتور قاسم عبده قاسم بتفرد السيد في تحقيقاته وتمسكه بمبادئه، وأشار إلى أن علم التاريخ يُعاني الآن من انتكاسة كبيرة على أيدي أنصاف المتعلمين. وذكر الدكتور محمد حمزة إسماعيل أن إضافة الصور ونُسخ النصوص إلى الكتابات التي حققها السيد تُعد من أهم السمات التي عُرف بها. استهل كحيلة (رحمه الله) الكتاب التذكاري بالإشارة إلى أن «أيمن فؤاد سيد أرَّخ فكان غاية في التأريخ وحقَّق فكان غاية في التحقيق، مع أن الجمع بين هذين الفنين والإجادة فيهما جديران بهما أن يعطيا لصاحبهما مكانة هو أهل لها، فإن هناك قوماً أكل الحسد قلوبهم، فمن انتسب منهم إلى التأريخ قال: هو محقق وليس مؤرخاً. ومن انتسب منهم إلى التحقيق قال: هو مؤرخ وليس محققاً، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا أنه أرَّخ فجود في التأريخ وحقق فجوَّد في التحقيق، في حين أنهم لم يجودوا حين أرخوا وحين حققوا. وأضاف «يكفي أيمن فؤاد سيد أنه صاحب أهم مؤلف عربي في تاريخ الدولة الفاطمية وصاحب أهم مؤلف عربي في تاريخ مدينة القاهرة. وأنه صاحب النشرة الوحيدة المُحققة من (الخطط المقريزية)، وكنت وجيلي وأجيال أخرى سابقة لجيلي عيالاً على نُسخه مصححة آهلة بأخطاء –بل بخطايا– لا عد لها ولا حصر، فتجرد هذا العالم فحققها فأحسن تحقيقها وهو ما قصرت عنه همة عالم فرنجي كبير هو غاستون فييت، عاش بيننا في مصر سنوات وانصرف إلى تحقيقها سنوات، لكن لم يصل إلى النهاية في تحقيقه وظل بعيداً منها فراسخ وأميال. اقتعد أيمن فؤاد سيد مكانه في هذين الفنين ليصبح واحداً من مؤرخي مصر والعرب المعدودين، شأنه في ذلك شأن عبد العزيز الدوري وقسطنطين زريق ومحمد شفيق غربال ومحمد مصطفى زيادة وعزيز سوريلس عطية ومحمد أنيس وشاكر مصطفى ورؤوف عباس ومحمود إسماعيل، ويصبح كذلك واحداً من محققي مصر والعرب المعدودين، شأنه في ذلك شأن الأخوين شاكر (أحمد ومحمود) وشوقي ضيف ومحمد أبي الفضل إبراهيم وعبد السلام هارون وحمد الجاسر وعبد الهادي التازي وإحسان عباس ومحمود مكي وحسين نصار. واختتم كحيلة بقوله إن أيمن فؤاد سيد «لم يتسلل إلى الحظيرة التي سبق أن تسلل إليها غيره من أنصاف الموهوبين وأرباع المثقفين وترزية القوانين». ومن الأبحاث التي ضمها الكتاب: (المسجد الجامع في القيروان) إبراهيم شبوح. تونس، (الإيرانيات فى»كتاب الفهرست «للنديم) أكبر إيرانى - إيران، (مع غروب الدولة الأموية) حسين عبد الله العمري -اليمن، (حركات الردة في اليمن) راضي دغفوس. تونس، (تأملات في العلاقة بين السياسة والشريعة في التجربة الإسلامية الوسيطة) رضوان السيد - لبنان، (أيمن فؤاد السيد وجهوده في الدراسات اليمنية) عادل سليمان جمال. الولاياتالمتحدة الأميركية، ومن مصر: (كتابة المصحف وطباعته) أوس الأنصارى، (صلاح سالم والمسألة السودانية) أحمد زكريا الشلق، (حركة نشر التراث العربي في مصر) حسام أحمد عبد الظاهر، (مناهج تحقيق النصوص الأدبية) حسين محمد نصار، (الكتب والمكتبات في الحضارة الإسلامية) عبد الستار الحلوجى، (تحقيق الوثائق العربية ونشرها) عماد الدين أبو غازى، (اليهود في ظل الحضارة العربية الإسلامية) قاسم عبده قاسم، (مفهوم التصوف عند محمد مصطفى حلمى) محمد حلمي عبد الوهاب، (العلاقة بين الآثار والتاريخ) محمد حمزة أسماعيل، (التاريخ والأسطورة) محمد عفيفى، (نقل المعرفة من الشرق إلى الغرب في القرن الثامن عشر) نللي حنا، (أوهام المصريين) يوسف زيدان. أما السيرة الذاتية لأيمن فؤاد سيد فتقول: ولد بالقاهرة في حي الدرب الأحمر في 3 كانون الأول (ديسمبر) 1949، ماجستير في التاريخ الإسلامي كلية الآداب– جامعة القاهرة 1980م بتقدير ممتاز بينما نال دكتوراه دولة في الآداب والعلوم الإنسانية من جامعة السوربون 1986، وقد شغل الوظائف والمهام الإدارية التالية: باحث بمعهد المخطوطات العربية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (1972– 1973)، أمين مكتبة القسم العربي بالمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقيةبالقاهرة (1972–1990)، أمين مكتبة المعهد الهولندي للآثار المصرية والبحوث العربية (1973)، مدير مكتب المندوب السعودي الدائم لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (1973-1977)، مسؤول التراث الحضاري وإرشاد الباحثين عن المخطوطات بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (1977–1990)، مدير مشروع تطوير دار الكتب المصرية (1992–1994)، مدير الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (1994– 1995)، مستشار الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (1995–1999)، المشرف على المراكز العلمية بدار الكتب والوثائق القومية (1998–1999)، وحاليا أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ومدير مركز تحقيق النصوص بجامعة الأزهر. بالإضافة إلى قيامه بمهام علمية في فرنسا، اليابان، الكويت، السعودية. كما تولي رئاسة وعضوية عدد من الجمعيات واللجان العلمية وحالياً رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية. وإنتاجه العلمي بلغ (12) مؤلفاً، وعدد النصوص المُحققة (16)، وترجم «وصف مدينة القاهرة وقلعة الجبل» لجومار، و «المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربى» لفرانسوا ديروش، وأعد فهارس لمخطوطات، منها: فهرس مخطوطات مكتبة حيدرة للمخطوطات والوثائق، معهد الأبحاث في العلوم الإنسانية بالنيجر، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مكتبة الشيخ الموهوب أولحبيب الخاصة بالجزائر، كما شارك بعدد من الأبحاث والدراسات في الدوريات والحوليات العربية والأجنبية، بالإضافة إلى المشاركة في العديد من الندوات والمؤتمرات المحلية والدولية. وفي مشواره العلمي نال: جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية (تاريخ) 1983 (مصر)، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1985 (مصر)، جائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبان في العلوم الإنسانية 1988 (الأردن)، جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2006 (مصر)، جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي 2009 (الكويت) - الجائزة العالمية للكتاب لجمهورية إيران الإسلامية 2013 (إيران).