في العدد المزدوج 44-45 (السنتان 11-12، ذو الحجة 1429 ربيع الأول 1430ه) من مجلة الدرعية نشر بحث قيّم بعنوان «التصنيف في علم الحسبة» للدكتور حسام الدين السامرائي. ولما كان هذا الموضوع يتسع لإضافة المزيد فإننا في هذه الأسطر نتطرق إلى بعض المعلومات التي لم ترد في البحث المذكور حول الكتب التراثية في هذا المجال. وإبداؤنا الملاحظات حول مقالة أو كتاب لا يقلل من قيمة العمل الذي نراجعه. لأن الجهد البشري لا يخلو من نقص صغير أو كبير. وبالتالي فإن أي كتاب أو مقال جدير بالقراءة هو أيضا جدير بالمراجعة والنقد. والملاحظات التي يبديها المراجعون لا تنفي بأية حال الجهد القيم المشكور الذي قام به المؤلف الباحث. وإنما الهدف من المراجعة هو نفس الهدف الذي توخاه المؤلف: أي خدمة العلم في المجال الذي كتب فيه، وإبداء اقتراحات تزيد من نفاسته عند اعتمادها فيما بعد، وتقديم معلومات جديدة للقارئ تكمّل المعلومات التي نشرت. أولا: ملاحظات على البحث: 1 - في ص 577 يذكر الباحث (د. السامرائي) أن محمد عبد الوهاب خلاف نشر قطعة من نوازل ابن سهل في الكويت، وفي ص 584 يذكر أن نورة التويجري حققت الأجزاء الثلاثة الأولى منه وحصلت بها على شهادتي الماجستير والدكتوراه. التعليق: نشرت نوازل الحسبة من كتاب ابن سهل بتحقيق تهامي الأزموري سنة 1973م(1). أما نورة التويجري فقد أتمت في رسالتها للدكتوراه تحقيق الكتاب بأكمله. ثم نشرت الكتاب في طبعة كاملة سنة 1415ه 1995م(2). ونشر الكتاب أيضا بتحقيق رشيد النعيمي سنة 1417ه 1997م(3). 2 - في ص 580 يقول الباحث عن كتاب «تاريخ الحكماء» للقفطي: نشرته مكتبة المثنى ببغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة. التعليق: الكتاب نشر في أوروبا بتحقيق مُلّر وليبّرت سنة 1903. وما نشرته مكتبة المثنى كان بتصوير الأفست عن الطبعة الأوروبية. وفي سنة 1429ه 2008م أعيد نشر الطبعة الأوروبية، ولكن بعد أن عرّب حواشيها ومقدمتها وأضاف إليها مزيدا من الحواشي والتعليقات أ.د. عوني عبد الرؤوف(4). 3 - في ص 580 يقول الباحث عن كتاب «بدائع الزهور» لابن إياس بأنه من «تحقيق حسن إبراهيم حسن وعلي إبراهيم حسن، القاهرة طبعة بولاق». التعليق: لا توجد طبعة لكتاب ابن إياس هذا بتحقيق المؤرخين المذكورين، ولو أن لهما أعمالا جليلة أخرى. طبعة بولاق صدرت بتصحيح محمد بك حسني(5). أما الطبعة المحققة الحديثة فهي بتحقيق محمد مصطفى(6). 4 - في ص 582 يقول الباحث عن السرخسي ان كتابيه في غش الصناعات والحسبة ورد ذكره عند ابن أبي أصيبعة وحاجي خليفة. التعليق: ابن أبي أصيبعة (المتوفى سنة 668ه 1270م) وحاجي خليفة (المتوفى سنة 1068ه 1657م) ينقلان المعلومة عن النديم الوراق (المتوفى سنة 385ه)(7). 5 - في ص 583 يذكر الباحث أن كتاب «أحكام السوق» ليحيى بن عمر الكناني نشره محمود محمد مكي (الصواب: محمود علي مكي) في مجلة المعهد المصري بمدريد. التعليق: وصلت إلينا روايتان من كتاب (أو رسالة) «أحكام السوق». الأولى وردت في موسوعة «المعيار المغرب والجامع المعرب من فتاوى علماء افريقية والاندلس والمغرب» للونشريسي، أو نوازل الونشريسي. وهذه هي التي نشرها محمود علي مكي. أما الرواية الأخرى فهي للقصري، نشرت بتحقيق حسن حسني عبد الوهاب وفرحات الدشراوي(8). (وقد نشرت الروايتان معا في الطبعة التونسية). 6 - ص 583 يقول الباحث بأن رسالة الاحتساب للناصر الأطروش نشرها المستشرق سارجنت في مجلة الدراسات الشرقية في روما. التعليق: أعيد نشرها في كتاب يضم مجموعة بحوث للمستشرق المذكور(9). ثم أعيد طبعها اعتمادا على طبعة سارجنت بتحقيق عبد الكريم أحمد جدبان(10). 7 - في ص 585 يذكر الباحث ثلاث رسائل في الحسبة لكل من ابن عبدون وابن عبد الرؤوف والجرسيفي، وهي التي نشرها المستشرق بروفنسال بالقاهرة سنة 1955. التعليق: أعيد طبع رسالة ابن عبد الرؤوف، اعتمادا على طبعة بروفنسال، بتحقيق فاطمة الإدريسي(11). 8 - في ص 586-587: يقول الباحث: [ولا تقدّم المصادر أية معلومات عن مؤلفات في الحسبة والاحتساب بعد ذلك طوال القرن السابع الهجري حتى بداية القرن الثامن الهجري، حيث تشير إلى .. .. .. وكتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة لمحمد بن أحمد بن بسام المحتسب التنيسي المصري] فهو هنا يعتبر ابن بسام من أهل القرن الثامن الهجري. التعليق: من التواريخ الهامة لمدينة تنيس –وهي جزيرة في بحيرة المنزلة الواقعة بين بورسعيد ودمياط اليوم- هو تاريخ نهايتها. فقد أمر صلاح الدين بإخلائها من السكان سنة 588ه، بحيث لا يبقى فيها غير المقاتلين في قلعتها للدفاع عنها. ثم أمر الملك الكامل الأيوبي سنة 624ه بهدم المدينة وتخريبها، لئلا تقع في يد الصليبيين(12). وحسب المصادر التي بين أيدينا لم يسكن أحد بتنيس بعد ذلك. وبالتالي يستحيل على ابن بسام أن يكون محتسبا في تنيس ومن أهل القرن الثامن الهجري في آن واحد. وقد بقي ابن بسام مجهول الهوية حتى اليوم بين معظم الباحثين. وقد بحث عنه كبار المؤرخين في أوائل القرن العشرين، مثل لويس شيخو(13) ومحمد كرد علي(14)، فلم يجدوا له ذكرا في المصادر. كل ما عرف عنه هو أنه كان محتسبا، وأنه من أهل مصر، اعتمادا على نصوص كتابه، وأن [أقدم النسخ الخطية التي وصلت إلينا ترجع إلى عام 844ه، وهي ليست بخط المؤلف. ومعنى هذا أنه عاش قبل هذا التاريخ](15). وصرنا بعد ذلك نجد من يقدّر زمن حياة المؤلف بالقرن السابع أو الثامن، وأحيانا القرن التاسع. وبالتالي يفترض طبعا أنه ينقل عن الشيزري، لتطابق عبارات وفصول في الكتابين. ولكن مع نشر نصوص جديدة من كتب التراث اتضح لنا أن ابن بسام أتم تأليف كتبه في الفترة بين عامي 412 - 440ه، أي قبل الشيزري بقرن ونصف(16). وبالتالي فالشيزري هو الذي نقل عنه، وليس كما يكتب حاليا. 9 - في ص 585 - 586 يقول الباحث عن كتاب الشيزري: [وقد سار على نهجه مؤلفو كتب الحسبة العملية الذين جاءوا بعده]. التعليق: أول من قال بهذا الرأي هو أ.د. حسين علي محفوظ، حين قال: «كتب الحسبة اعتمدت كلها أصلا واحداً لم تنقص منه ولم تزد عليه إلا أشياء معدودة»(17). لكن الواقع هو أن هذا الرأي ينطبق على ثلاثة كتب فقط، هي كتب ابن بسام والشيزري وابن الأخوة. ويضاف إليها الكتاب المنسوب إلى الماوردي، بينما هو نسخة من كتاب ابن الأخوة(18). وسنرى في الأسطر التالية أن عدداً من كتب الحسبة الصادرة ببلاد الغرب الإسلامي (الأندلس وشمال أفريقيا) لم يتطرق إليها الباحث في بحثه القيّم. وهي لا تلتزم منهج الكتب الثلاثة. ثم إن الشيزري أتى بعد ابن بسام بقرن ونصف كما ذكرنا. فكتاب ابن بسام هو الأصل الذي اقتفى أثره كل من الشيزري وابن الأخوة. 10 - في ص 586 يقول الباحث عن كتاب «الرتبة في طلب الحسبة» لابن الرفعة أن نسخة مخطوطة منه محفوظة في مكتبة «لاله لي» بإستنبول، وأن نصوصه تتشابه إلى درجة كبيرة مع كتاب ابن الأخوة. التعليق: النسخة المخطوطة في «لاله لي» المنسوبة إلى ابن الرفعة هي نسخة من كتاب ابن الأخوة(19). لكن ابن الرفعة ألّف في مجال الحسبة كتاباً كبير الحجم، منه نسخة وحيدة في مكتبة ولي الدين أفندي، التابعة لمكتبة بايزيد بإسطنبول حاليا. تقع في 320 ورقة (640 صفحة مخطوطة). وهذا الحجم يجعله يعادل ثلاثة أضعاف كتاب ابن الأخوة(20). ومن هذه المخطوطة نسخة مصورة بمكتبة الدراسات العليا في كلية الآداب بجامعة بغداد(21). 11 - في ص 586 يقول الباحث عن كتاب الشيزري بأنه حقق مرتين: حققه مصطفى زيادة ونشره سنة 1945، ثم قام السيد الباز العريني بتحقيقه ونشره في دار الثقافة ببيروت. التعليق: طبع الكتاب بتحقيق د. السيد الباز العريني، وتصدير أستاذه المؤرخ الكبير د. مصطفى زيادة، وذلك سنة 1945 - 1946(22). ثم أعيد طبعه بالتصوير مراراً ببيروتوالقاهرة، وذلك دون ترخيص، وبعد شطب اسم الناشر الأصلي. وطبعة بيروت التي يشير إليها الباحث هي ممسوخة عن الطبعة الأصلية. وذلك بخلاف طبعة مصورة بالأفست، للناشر المثقف قاسم الرجب(23). فهو لم يشطب اسم الناشر الأصلي في كل مطبوعاته المصورة. هوامش: (1) Azzemmouri, Thami el-: “Les Nawazil d'Ibn Sahl: Section relative a l'Ihtisab, 1re partie: introduction et texte arabe”, Hesperis Tamuda, tome 14 (1973), pp. 7-107. (2) ابن سهل، أبو الأصبغ عيسى بن سهل الأسدي الأندلسي، الإعلام بنوازل الأحكام (نوازل ابن سهل)، (فيه قسم الخاص بنوازل الاحتساب)، تحقيق نورة التويجري، الرياض: المحققة، 1415ه/1995م. (3) ابن سهل، أبو الأصبغ عيسى بن سهل الأسدي الجياني، ديوان الأحكام الكبرى (النوازل والأعلام لابن سهل)، تحقيق المحامي رشيد النعيمي، الرياض: شركة الصفحات الذهبية المحدودة، 1417ه/1997م. (4) القفطي، تاريخ الحكماء، ترجم حواشيها ومقدمتها وأضاف إليها د. محمد عوني عبد الرؤوف، القاهرة: مكتبة الآداب، 1429ه/2008م. (5) صالحية، محمد عيسى: المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع، القاهرة: معهد المخطوطات العربية، 1992، ج1 ص 115. (6) ابن إياس، محمد بن أحمد: بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، نشر جمعية المستشرقين الألمانية ببيروت والهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثالثة، 1984. (7) النديم، محمد بن إسحاق: الفهرست، تحقيق أيمن فؤاد سيد، لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 1430ه 2009م، ج2 ص 196-197. (8) تونس: الشركة التونسية للتوزيع، 1975. (9) Serjeant, R. B. Studies in Arabian History and Civilization, London: Variorum Reprints, 1981. (10) صعدة (اليمن): مكتبة التراث الإسلامي، 2002. (11) بيروت: دار ابن حزم، 2005. (12) المقريزي، «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» أو خطط المقريزي، تحقيق أيمن فؤاد سيد، لندن: مؤسسة الفرقان، 6 مجلدات، 2002-2004، ج-1 ص 489. (ج-1 ص 181 من طبعة بولاق). (13) مجلة المشرق، المجلد 10 سنة 1907، العدد 21 ص 961-968، والعدد 22 ص 1079-1086. (14) «الحسبة في الإسلام»، مجلة المقتبس، المجلد، سنة 1908. نقلا عن حسام الدين السامرائي في مقدمة تحقيقه لكتاب ابن بسام، «نهاية الرتبة في طلب الحسبة»، مطبعة المعارف ببغداد، 1968. (15) السامرائي، مقدمة تحقيقه لكتاب ابن بسام السابق ذكره، الصفحة ج. (16) قاري، لطف الله: «حول كتابي الشيزري وابن بسام: من منهما سبق الآخر؟»، مجلة عالم الكتب، المجلد 29، العددان 3و4 (القعدة 1428-صفر 1429ه، ديسمبر 2007-مارس 2008م) ص 361-366. (17) محفوظ، حسين علي: «الصناع والبياع والمحترفون في التراث»، أبحاث في التراث الشعبي، بغداد: دائرة الشئون الثقافية العامة، 1986، ص 88، 92. (18) سرحان، محيي هلال: «ثلاثة مخطوطات في الحسبة»، مجلة المورد، بغداد، المجلد الأول (1972) العددان 3-4، ص 297-300. (19) محيي هلال سرحان، المرجع السابق. (20) قاري، لطف الله، «كتب الحسبة وكتب الحِرف في التراث»، مجلة المأثورات الشعبية، (قطر)، عدد أبريل 1994. وأعيد نشر البحث في كتاب إضاءة زوايا جديدة للتقنية العربية الإسلامية، الرياض: مكتبة الملك فهد الوطنية، 1416ه 1996م. (21) بديعة يوسف عبد الرحمن وآخرون، فهرس عناوين المخطوطات في مكتبة الدراسات العليا، بغداد: كلية الآداب بجامعة بغداد، 1973، ص 204. (22) القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1946. (23) بغداد: مكتبة المثنى، 1965. (يتبع)