بلغتي الكتابين المقدسين، القرآن والتوراة، توعدت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، قوات الاحتلال الإسرائيلي بأن يكون مصيرها مثل «العصف المأكول» في حال اجتاحت قطاع غزة برياً. وجاء في تفسير أحدها «العصف المأكول» أنه «ورق الزرع الذي يبقى في الأرض بعد الحصاد وتعصفه الرياح فتأكله المواشي»، أو «الحب الذي تم أكل لبه وبقي قشره». وكان الناطق باسم الكتائب الملقب ب»أبو عبيدة» أعلن ليل الخميس - الجمعة في شريط فيديو مسجل إطلاق اسم «العصف المأكول» على عمليتها العسكرية لمواجهة العملية العسكرية الإسرائيلية «الجرف الصامد» التي استمرت أمس لليوم الرابع على التوالي، بمجازر جماعية متنقلة من مدينة إلى أخرى، ومن مخيم إلى آخر. وظهر في خلفية الشريط على يسار «أبو عبيدة» عبارات عدة باللغة العبرية مقتبسة من التوراة يخاطب فيها الله اليهود، وتقول ترجمتها الحرفية: «قد أزفت نهايتك، سيحل غضبي عليك، وجزاؤك من جنس عملك، وستبوء بجريرة خطاياك، فلست براحمك ولا بعافٍ عنك، بل ستبوء بوبال أفعالك وخطاياك لتعلموا أني أنا الله». وقال «أبو عبيدة»: «لم نبدأ بحرب، ولم نبدأ بعدوان، والعدو هو الذي بدأ بالتهديد والوعيد، ثم ترجم ذلك بالعدوان الذي تصاعد، لكن بعدما بدأ الحرب، فإنه لن يقرر موعد نهايتها ولا شروطها ولا شكلها»، في إشارة إلى رفض التهدئة. وأضاف: «أعددنا أنفسنا لمعركة طويلة جداً، وليس كما يقول قادة العدو لأسبوع أو عشرة أيام، بل أسابيع طويلة جداً». ورد على تهديدات وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون بشن عملية برية على القطاع، قائلاً: «أتتوعدنا يا أبن اليهودية بما ننتظر، إن نواضح غزة تنتظركم، وهي تحمل الموت الزكام». وأشار إلى أن «كتائب القسام لم تستخدم إلا القليل القليل مما أعدته للعدو، ولا تزال تتعامل مع المعركة على أنها محدودة». وشدد على أن «الموجة الثورية من ثورة شعبنا في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل، لن تتوقف وستتصاعد حتى تضمن أن يحقق شعبنا أهدافه، ويتوقف العدو عن جرائمه، وأن يلمس كل فلسطيني نتائج النصر». هنية وشروط التهدئة من جهته، وضع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية شروطاً لأي تهدئة جديدة مع إسرائيل، من بينها وقف العدوان. وقال في تصريح مكتوب وزعته الحركة فجر أمس إن «عدوان الاحتلال سيفشل في تحقيق أهدافه وسينتصر شعبنا في ظل ما يعيشه من مرحلة غير مسبوقة من الوحدة والمقاومة». وأضاف: «أقول للاحتلال أوقفوا جرائم حربكم ضد شعبنا، فعدوانكم سيفشل في تحقيق أهدافه، وشعبنا سيتنصر مهما بلغت التضحيات وعظمة التهديدات». وأكد «عدم الخشية من تهديدات العدو، وأن دماء القادة ليست أغلى من دماء الأطفال والعائلات». وشدد على أن «العدو نقض منذ وقت طويل اتفاق التهدئة، وتنكر لكل التفاهمات، وقرر الحرب امتداداً للهجمة المسعورة على شعبنا في الضفة الغربيةوالقدسالمحتلة». ميدانياً في غضون ذلك، شهد القطاع هدوءاً نسبياً حذراً مريباً منذ صباح أمس وحتى ساعات المساء، بعد ليلة دامية سقط خلالها عدد من الشهداء، إذ لم تشن طائرات الاحتلال سوى غارات قليلة جداً مقارنة مع الأيام الأربعة الماضية. وقال وزير الأشغال العامة والإسكان مفيد الحساينة إن «282 وحدة سكنية هُدمت كلياً في قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل وذلك حتى نهاية يوم الخميس». وأضاف أن «8910 وحدات أخرى هُدمت جزئياً، من بينها 260 لم تعد صالحة للسكن». وارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 103، من بينهم 69 مدنياً، ومن ضمنهم 23 طفلاً، و16 سيدة، فيما يُعتقد أن 34 منهم ينتمون إلى فصائل المقاومة الفلسطينية حسب إحصاءات مركز «الميزان» لحقوق الإنسان. وتجاوز عدد الجرحى 700 جريح، فيما دمرت الطائرات الحربية 19 مدرسة، وثمانية مساجد، ومستشفى تدميراً جزئياً. وجاء آخر المجازر فجر أمس في مخيم يبنا في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، إذ قصفت طائرة من طراز «أف 16» الأميركية الصنع بثلاثة صواريخ، ومن دون تحذير مسبق، منزل عبد الرازق حسن الغنام (58 سنة) المؤلف من طبقتين، ما أسفر عن استشهاد خمسة فلسطينيين، هم مالكه وزوجته غالية (57 سنة)، ونجله محمود (27 سنة)، وابنته وسام (31 سنة)، وابنة عمه كفاح (33 سنة) التي كانت في زيارتهم. وأصيب ثمانية من سكان المنازل المجاورة، فيما نجا من القصف نجله حسام (20 سنة). كما قصفت الطائرات الحربية عشرات المنازل في مدن القطاع ومخيماته، ما أسفر عن استشهاد عدد من المواطنين وإصابة عشرات آخرين. وأطلقت الزوارق الحربية عدداً من القذائف على ميناء الصيادين غرب مدينة غزة، ما أدى إلى تدمير عدد من مراكب الصيادين. وقصفت طائرات حربية بأربعة صواريخ الطبقتين الخامسة والسادسة من مستشفى ألوفا الطبي لرعاية المسنين في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، من دون وقوع مصابين، وكذلك مبنى جمعية الصلاح الإسلامية الخيرية التابعة لحركة «حماس» في مدينة دير البلح، ما أدى إلى تدمير الجهة الشرقية من المبنى، وأيضاً مدرسة الصلاح الخيرية للذكور، ومدرسة خديجة بن خويلد للبنات المخصصتان للأطفال الأيتام، كما تضرر مخبز الجمعية ومركبتان. ومبنى كلية فلسطين التقنية. وكذلك قصفت بصاروخ شقة الطبيب أنس رزق أبو الكاس (33 سنة)، ما أسفر عن استشهاده، وإصابة ثلاثة مواطنين آخرين. وفي جريمة جديدة، قصفت طائرة سيارة تابعة لبلدية مخيم البريج للاجئين بينما كانت تقل عمالاً تابعين للبلدية، ما أسفر عن استشهاد عاملين، وطفلة من المارة. ومع ساعات الفجر الأولى، اشتد القصف على شاطئ مدينة غزة، ودارت اشتباكات بين عناصر من المقاومة وقوات بحرية إسرائيلية حاولت إنزال عدد من جنودها إلى الشاطئ. وقالت مصادر محلية إن قوات الاحتلال ألقت دمى على الساحل لاختبار جاهزية المقاومة التي كانت لها بالمرصاد واشتبكت معها لدى تقدمها في اتجاه اليابسة. إلى ذلك، قالت تقارير إسرائيلية إن الطيران الحربي قصف نحو 1100 هدف (منازل منشآت مدنية) في القطاع غزة منذ بداية الحرب. وقالت صحيفة «هآرتس» العبرية إنه أُطلق من القطاع نحو 350 صاروخاً، حتى ساعات منتصف ليل الخميس - الجمعة اعترضت القبة الحديد 70 منها. وأضافت أنه أطلق الخميس، للمرة الأولى، صواريخ على بلدة «متسبي ريمون» جنوب صحراء النقب، إضافة إلى الكرمل و»ديمونا» و»يروحام» والقدس ووسط إسرائيل. وأشارت إلى أن الطائرات قصفت حتى الخميس نحو 500 منصة إطلاق صواريخ، وأن تقديرات الأجهزة الاستخبارية تشير إلى أنه تم تدمير نحو ألفي صاروخ فيها. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن مسؤول عسكري قوله إن الجيش شن خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة (الخميس) نحو 200 غارة على القطاع، استهدف فيها 81 منصة إطلاق صواريخ، و21 مقر قيادة، و51 نفقاً، و7 مؤسسات حكومية. وأضاف أن الجيش يشن غارة كل أربع دقائق ونصف، وألقى على القطاع نحو 2000 طن من المتفجرات منذ بداية الحرب. إلى ذلك، أعلنت «كتائب القسام» صباح أمس أنها أطلقت ثلاثة صواريخ من طراز (أم 75) على مطار بن غوريون، ما أدى إلى توقف حركة الطيران نحو 15 دقيقة، فيما دوت صافرات الإنذار في مدن اللد والرملة و»حولون» و»بات يام» و»هرتسيليا» و»تل أبيب» و»رمات هشارون» وسط إسرائيل. وأعلن الجيش الإسرائيلي أن «القبة الحديد» اعترضت ثلاثة صواريخ في منطقة تل أبيب. كما أعلنت «الكتائب» أنها أطلقت صاروخاً من طراز «آر 160» على مدينة حيفا والكرمل على بعد 140 كيلومتراً شمال إسرائيل. وسقط صاروخ على مصنع في مدينة «بتاح تكفا»، ما أسفر عن اشتعال النيران فيه. كما أعلنت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، و»كتائب أبو علي مصطفى»، الذراع العسكرية ل «الجبهة الشعبية»، و»كتائب المقاومة الوطنية»، الذراع العسكرية ل «الجبهة الديموقراطية»، إطلاق عشرات الصواريخ على بلدات إسرائيلية محاذية للقطاع وأخرى بعيدة نسبياً. لكن حدة إطلاق الصواريخ تراجعت تزامناً مع تراجع حدة القصف الإسرائيلي أمس.