«انها ليلة محاولة اغتيال الصوت الكردي»... بهذه العبارة، وصف أحد المواقع الالكترونية الكردية ليلةَ وقف بث القناة الفضائية الكردية «روج تي في» عبر الاقمار الاصطناعية. ففي الثانية عشرة منتصف ليل الأحد - الاثنين، أوقفت شركة «أوروبيرت» بث القناة الكردية، بضغط من شركة «يوتل سات» الفرنسية، التي فسخت عقدها مع القناة التلفزيوية الكردية من جانب واحد، من دون قرار قضائي ذي صلة. وكانت «يوتل سات» طالبت «نيل سات» ايضاً بوقف بث «روج»، في التاسع عشر من الشهر الجاري. ووصفت إدارة القناة الكردية هذا القرار ب «اللاقانوني» و «الكيفي والمزاجي». وأشارت الى أنها تبذل مساعي حثيثة لإيجاد شركة جديدة، بغية إعادة البث الفضائي الكردي. وأكدت في بيانها، أن «قرار «يوتل سات» الفرنسية، يندرج ضمن محاولات الاحزاب الفرنسية امتصاص غضب الاتراك، على خلفية تصويت البرلمان الفرنسي على قانون تجريم من ينكر الإبادة الارمنية (1915-1917)، بغية كسب أصوات 400 ألف فرنسي من أصل ارمني في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة. وكي يحاول ساركوزي التخفيف من نقمة أنقرة وغضبها، كانت هديته للحكومة التركية بوقف «يوتل سات» بث «روج تي في». وأضافت الادارة في بيانها، أنها ستقاضي الشركة الفرنسية أمام القضاء الفرنسي. هذه الضغوط ليست جديدة على القناة الكردية، التي منذ بدأت بثها في 1/3/2004، تتعرض للتهديدات ومخاطر الاغلاق، كما بقيت مادة دسمة للمساومات والصفقات بين تركيا والدول الاوروبية. وفي هذا الاطار، قدم السفير التركي في الدنمارك، بين 2004 و2006، طلبات الى الأمانة العامة للإعلام في الدنمارك، كي تسحب ترخيص البث الفضائي من «روج تي في»، وصولاً الى إغلاقها، لكن هذه المحاولات الثلاث باءت بالفشل، ورُفض الطلب الرسمي التركي. ولم تتوقف المساعي التركية لوقف البث الكردي، بل وصلت الى ألمانيا سنة 2008، إذ أصدرت الداخلية الالمانية قرار منع بث «روج» على الاراضي الالمانية، غير أن المحكمة الفيدرالية العليا في ألمانيا، أبطلت هذا القرار نهاية 2011. وحين رُشح رئيس الوزراء الدنماركي السابق اندرياس فوغ راسموسن لرئاسة حلف الشمال الاطلسي في 2009، واجه اعتراض الاتراك الذين طالبوا بإغلاق «روج» كي توافق انقرة على ترأسه لحلف الناتو. وأكدت الوثائق التي نشرتها «ويكيليكس» تفاصيل هذه الصفقات بين الجانبين. ضغوط متواصلة في آذار (مارس) 2010، داهم نحو 300 شخص من عناصر مكافحة الارهاب في بلجيكا استوديوات «روج تي في» الكائنة في قرية دندرليو القريبة من العاصمة البلجيكية بروكسيل، وحطمت معدات وصادرت كمبيوترات واجهزة الكترونية، بحيث تجاوزت قيمة ما أتلفته هذه المداهمة ما يزيد عن مليوني يورو. وفي اليوم ذاته، داهمت الشرطة الدنماركية مكاتب «روج» في كوبنهاغن. وفي 31/3/2010، رفعت السلطات التركية دعوى أمام المحاكم التركية تطالب فيها بإغلاق القناة الكردية. وبالتزامن مع مجريات هذه الدعوة، واصلت انقرة ضغوطاتها الديبلوماسية والاقتصادية على كوبنهاغن. وأصدرت المحكمة قرارها في هذه الدعوى في 12/1/2012، وقضت باستمرار بث الفضائية الكردية وعدم سحب ترخيصها، مع تغريمها 700 الف يورو بتهمة «الترويج للارهاب»، لكن إدارة «روج» اعترضت على القرار امام المحكمة الدنماركية العليا. الآن، شاشة «روج تي في» سوداء، لا يصدر منها صوت أو لون، إلا انها مازالت تقاوم، وتبث برامجها على شبكة الانترنت، ريثما تجد لنفسها متنفساً فضائياً جديداً. ويرى مراقبون ان القناة الكردية الوحيدة في أوروبا، عادت مرة أخرى لتصبح على طاولة المصالح والصفقات السياسية والاقتصادية بين الدول الأوروبية وتركيا.