لا يكاد يمر أسبوع من دون أن نسمع أو نقرأ خبراً جديداً عن قرار يقضي بحظر هذه الفضائية أو تلك، وثمة أسباب كثيرة سياسية، دينية، طائفية، أخلاقية، مهنية...الخ يتذرع بها أصحاب تلك القرارات لإضفاء الشرعية على إجراءات قسرية تعسفية تأمر بإطفاء وميض هذه الشاشة أو تلك تجنباً ل «وجع الرأس». قبل أيام قليلة ظهرت تقارير إعلامية تشير إلى خضوع الدنمارك، بعد سنوات من الرفض، للضغوط التركية المطالبة بإغلاق قناة «روج تي في» الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني، والتي تبث من هناك. والمبرر التركي، هنا، هو سياسي بامتياز، فهذه القناة، بحسب الأتراك، تقوم بالدعاية للحزب المذكور وتستضيف مسؤوليه وقياداته، وكأن تركيا لا تملك ترسانة من القنوات الفضائية التي تقوم بالدعاية لسياساتها في مقابل تلك القناة الكردية الوحيدة، الآيلة إلى الإغلاق. وأمس أفادت الأخبار أن مصر أوقفت بث أربع قنوات فضائية، ذات محتوى ديني، على القمر الاصطناعي المملوك لها «نايل سات» موقتاً «لمخالفتها شروط البث»، وهي قنوات «خليجية» و «الحافظ» و «الصحة والجمال» و «الناس». ورأى مراقبون أن السبب غير المعلن وراء هذا الإجراء هو تدخل بعض الفضائيات بشكل غير مباشر في قضايا طائفية أثيرت في الأسابيع الماضية. هناك قصص مماثلة لا تحصى عن قرارات بحظر هذه الفضائية أو تلك، وهذا الحظر لا يمكن قراءته إلا من زاوية واحدة تفيد ب «عدم شرعيته». ولئن استاءت جهة ما أو حكومة أو دولة من سلوك فضائية، فالأجدر بها أن تناقش الموضوع بالحوار، وتلجأ إلى الأساليب ذاتها، أي أن تتسلح، بدورها، بفضائياتها. فالجهة القادرة على إغلاق فضائية هي من القوة بحيث تستطيع امتلاك فضائيات عدة وممارسة الحق في الرد على ما تجده «تضليلاً إعلامياً». سيرفع احدهم، هنا، صوته عالياً ليقول ان «تلك الفضائيات تنشر أفكاراً مسمومة، وتحرض على العنف وعلى الطائفية والإباحية...»، وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن إغلاقها يزيد أصحابها حنقاً وغضباً، ناهيك عن أن سلوك الإقصاء والمنع ينطوي، بدوره، على مصادرة رأي الغير، وانتهاك حق الحرية في التعبير. وهذا الحق يدركه جيداً العاملون في حقل الإعلام، ولعل من يصدر قرارات الحظر ينتمي إليهم. ضاق الفضاء، على رحابته، بالرأي والرأي الآخر، ويبدو أن من يملك النفوذ والسلطة سيتحكم في تشكيل «الفضاء» وفق مزاجه وذائقته، لكن الجلي هو انه ليس كل محظور، بالضرورة، على خطأ، كما انه ليس كل فضائية صامدة بفعل المال والسلطة صائبة ومفيدة بالضرورة، بل نكاد نزعم احياناً أن العكس هو الصحيح.