نسمع ونقرأ يومياً تقريباً ومن خلال جميع وسائل الاتصال الكثيرة نقداً شديداً لوزارة التجارة السعودية على ارتفاع أسعار ما يشتريه معظم المواطنين. ابتداءً المملكة العربية السعودية من الدول التي يخضع ما يتم تبادله في أسواقها لقوانين الأسواق الحرة. وهذه القوانين في جوهرها تقضي بأن ما يحدد الأسعار هو مجموع ما يُطلبْ ومجموع ما يُعرضْ وما يتوقعه الناس من طالبين وعارضين لما سيتم طلبه وما سيتم عرضه في المستقبل المنظور. ولكن ما الذي يمنع العارضين أو التجار أو الباعة عموماً من رفع الأسعار بما تقتضيه مصالحهم الخاصة؟ إن الذي يمنعهم عموماً هو عاملان: منافسة الآخرين، وامتناع المشترين عن الشراء بعد حد معين من مستوى الارتفاع. ولكن ما الذي يحدث إذا كان للسلعة بائع واحد محتكر؟ والجواب أن المحتكر، إن لم يكن جهة حكومية أو تحميه جهة حكومية، نادراً ما يوجد. وإن وجد، وعلى رغم ما احتوته كتب النظرية الاقتصادية القديمة، فيندر أن تجد سلعة ليس لها بديل في وقتنا الحاضر. فلم يعرف معظم سكان الجزيرة العربية - على سبيل المثال- قبل مطلع القرن العشرين الأرز أو «الرز» كما يقول السعوديون، وكان أهم مكونات قوتهم اليومي القمح والشعير والذرة و «الدخن» وفقاً لاختلاف المناطق. ثم استورد التجار وبدافع الربح بالطبع الرز من الخارج وبخاصة الهند، وتدريجياً أدت المنافسة بين المستوردين إلى تناقص أسعار الرز حتى حل محل بقية الحبوب. صحيح أنه يصعب أو يتعذر على المواطن العادي الذي اعتاد على شراء سلعة كالشعير سعة خمسين كيلو ب 20 ريالاً أن يفهم سبب ارتفاعه إلى 40 ريالاً أو أكثر. ولذلك يلوم وزارة التجارة والتجار، خصوصاً أن لسعر الشعير علاقة مباشرة وغير مباشرة بأسعار الألبان ولحوم الماشية والدواجن. ولنأخذ الشعير مثلاً. فالفلاح الأميركي أو الكندي أو الأسترالي أو الأوروبي الذي يزرع الشعير أيضاً يزرع أو هو قادر على زراعة محاصيل أخرى كالقمح والذرة الصفراء وفول الصويا. وحينما ارتفعت نسب النمو ومستويات الدخل في بلدان ضخمة كثيرة السكان كالصين والهند والبرازيل وغيرها، زاد الطلب على المحاصيل التي يفضل معظم سكان هذه الدول استهلاكها. ولذلك من المنطقي أن تحل محاصيل كالذرة الصفراء وفول الصويا محل الشعير في غالبية المناطق التي يجد فلاحوها أنه من المجدي لهم إحلالها محل الشعير. وقد تناقص فعلاً إنتاج العالم من الشعير نسبة إلى بقية الحبوب فقلّ ما يباع منه في الأسواق الدولية وارتفعت الأسعار. وما الحل في مواجهة ارتفاع الأسعار؟ أولاً: تحديد الأسعار. ولنأخذ مرة أخرى الشعير مثلاً لشمولية تأثيره على ما يستهلكه المواطنون بطرق مباشرة وغير مباشرة من ألبان ولحوم حمراء وبيضاء. ولنفرض جدلاً أنه تم تحديد سعر كل كيس شعير سعة 50 كيلو ب 20 ريالاً كما كان عليه في الماضي القريب. ماذا سيحدث؟ سينعدم الشعير من الأسواق. وستظهر أسواق سوداء لبيع الشعير بمبالغ كبيرة قد تصل إلى فوق 60 ريالاً كما حدث قبل تدخل الدولة السعودية في العام الماضي. وماذا عن دفع الإعانات للتجار؟ أيضاً وسيلة احتمال نجاحها أقل بكثير من احتمال فشلها لأنه يسهل التلاعب بأسعار التوريد. ولذلك اضطرت وزارة المالية السعودية - والأرجح كارهة- إلى استيراد الشعير، وتوزيعه عن طريق موزعين معتمدين يتعهدون بالبيع بسعر محدد. لقد جربت كل الدول الاشتراكية والدكتاتوريات العسكرية العربية «تحديد» الأسعار ولم تنجح لا في توفير كل الكميات المطلوبة بالسعر المحدد في الأسواق ولا في منع ظاهرة الأسواق السوداء كما يحدث عادة كلما كان المتوافر أقل من المطلوب. غير أن السؤال يبقى ما الحل بالنسبة إلى محدودي الدخل، في مواجهة ارتفاع مستويات الأسعار بصرف النظر عن أسباب ارتفاعها؟ الحل الوحيد الذي حقق شيئاً من النجاح، وليس كل ما يراد من نجاح، هو توفير بطاقات ائتمان حكومية لا يمكن استخدامها إلا لشراء كميات محدودة من ضروريات محددة سلفاً خلال فترة محددة من السلع التي ارتفعت أسعارها لذوي الدخول الأقل، من دون التدخل في مستوى الأسعار، كي لا تفقد الأسعار معناها الاقتصادي. فما الأسعار الحقيقية التي تحددها عوامل السوق إلا موجات اتصال بين جميع أطراف النشاطات الاقتصادية من منتجين ومشترين ومستوردين ومصدرين وبائعين. فلذلك ينبغي إيجاد وسيلة، كلما كان ذلك ممكناً، لإعانة المحتاجين من دون تشويه دور الأسعار. ولكن كيف تعرف الجهات الحكومية كيفية تحديد هويات من يقل دخلهم الشهري عن مبلغ معين في بلد ليس فيه نظام ضريبي فاعل يتم عن طريقه معرفة مستويات دخول الأفراد؟ ربما كان الحل الذي يمكن تنفيذه هو في إلزام كل من يطلب المساعدة بفتح حساب في إحدى المنشآت المصرفية وإعطائه بطاقة ائتمان عن طريق هذا الحساب يمكن استخدامها في شراء ما يتم تحديده نوعاً وكماً وفترة زمنية. لا سيما أن الجزء الأكبر من محدودي الدخل هم من منسوبي التأمين الاجتماعي، ومن قدامى المتقاعدين من منسوبي مصلحتي التقاعد والتأمينات الاجتماعية، الذين تتوافر عنهم كل المعلومات المطلوبة. * أكاديمي سعودي.