رجلان مسنّان أحدهما يسأل الآخر: كم يعيش الإنسان من دون دماغ؟ ويرد الثاني: لا أعرف. ويعود الأول ويسأله: كم عمرك؟ فهو يدل على مدى قدرة أن يعيش إنسان بلا دماغ. بدأت بشيء خفيف استدراجاً للقارئ إلى موضوع في منتهى الجد، فكأن الأخبار السياسية لا تكفي لتنكيد عيش الناس لذلك أقرأ عن بحث علمي جديد أظهر أن تراجع القدرة الذهنية للإنسان يبدأ وهو في الخامسة والأربعين، وقد دخل وسط العمر، وليس في الستين كما كان العلماء يعتقدون في السابق. البحث نظمه أكاديميون من مركز أبحاث الأوبئة والصحة في فرنسا والكلية الجامعية في بريطانيا، واستمر بين 1997 و2007، وشمل سبعة آلاف موظف حكومي بريطاني. سأظل أحاول وأنا أراجع الموضوع في هذه الزاوية أن أنتزع بسمة من القارئ ببعض حكايات المسنين، فواحد منهم يسأل الكاهن: ماذا أفعل ليغفر الله لي خطاياي؟ ويرد الكاهن: أولاً، يجب أن ترتكب خطايا. أعتقد أنني ارتكبت ما يكفي وهذا قبل أن أسنّ، بل قبل دخول وسط العمر، والخبراء وجهوا أسئلة إلى الموظفين سنة 1997، وعادوا اليهم بالأسئلة نفسها بعد عشر سنوات، وهم وجدوا أن الموظفين بين 45 سنة و49 تراجعت قدرتهم الذهنية 3.5 في المئة، غير أن الموظفين في الستينات الذين خضعوا للأسئلة نفسها تراجعت قدراتهم بمعدل 9.6 في المئة للرجال و7.4 في المئة للنساء، أو بمعدل 8.5 في المئة للجنسين. لاحظت أن الدراسة شملت موظفين حكوميين، أو ما نسمي في لبنان «ابن حكومة»، وهذا لو فيه عقل أو عنده طموح لحاول العمل خارج إطار البيروقراطية الرسمية لذلك قيل فيه: ابن الحكومة لا نفع بينفع ولا شرّ بيدفع. الموظف يعيش لا ليعمل بل بانتظار الإجازة السنوية ثم التقاعد، وهو يكتشف عندما يتقاعد أن لا إجازة من بطالة آخر العمر، ويجلس منتظراً ساعته... وقال واحد من هؤلاء إنه ضد الجمال وضد كل جميلة لأنه لا يستطيع المشي كثيراً. وسئل: ما دخل جميلة بالمشي؟ وقال: ألم تلاحظوا أنه بين الجيم في جميلة والتاء هناك مِيل. وأخذت عجوز زوجها المسن إلى الطبيب بعد أن شكا المرض وفحصه الطبيب وقال لها: كله وهم. زوجك موسوس ويعتقد أنه مريض. بعد أسبوع اتصلت الزوجة بالطبيب وقالت: دكتور، حالة زوجي ساءت كثيراً، الآن يتوهم أنه مات. في غضون ذلك نشرت المجلة الطبية البريطانية هذا الشهر نتائج الدراسة الفرنسية - البريطانية المشتركة عن القدرات العقلية للإنسان وهي تشمل الذاكرة والمنطق والفهم. والإيجابية الوحيدة التي قرأتها أن فقدان الذاكرة بالكامل لا يصيب سوى المسنين والاستثناءات قليلة جداً نسبياً. هناك مسن لم يفقد قدرته الذهنية تماماً، قالت له زوجته الغاضبة إنه عندما يموت سترقص على قبره. وفكّر وقال: سأوصي بأن أدفن في البحر. أما العجوز الآخر فقال إن كعكة عيد الميلاد تعمل له «حَرْقة». ونصحه مستمع أن يطفئ الشموع قبل أن يأكلها. الموظفون البريطانيون أعطوا كلمات تبدأ مثلاً بحرف السين، ثم طلب منهم أن يعددوا ما يتذكرون منها، وعاد الباحثون إليهم بعد عشر سنوات بالسؤال نفسه لمقارنة مدى تراجع القدرة الذهنية مع التقدم في العمر، وكانت هناك أسئلة أخرى عن مجموعة كلمات في القاموس، أو صور وغير ذلك كثير. بالنظر إلى ما حولنا من أحداث ربما كان من الأفضل للمواطن العربي أن ينسى ويرحم نفسه، شرط ألا ينسى عيد ميلاد زوجته، فالمرأة لا تنسى ولا تغفر. أما الرجل المسن فهو يسأل في المساء: كم الساعة؟ وقيل له: ثمانية وربع. ورد: راح أجن، منذ الصباح أسأل كم الساعة وفي كل مرة أسمع جواباً مختلفاً. وأترك القارئ مع ثلاثة مسنين، والسبعيني يقول إنه يريد أن يموت فوراً ومن دون ألم في حادث سيارة. والثمانيني يقول إنه يريد أن يموت مثله في حادث سقوط طائرة. ويقول تسعيني: أنتما من دون طموح، أنا أريد أن أموت برصاص زوج غيور.