بعض أجمل ما تقدمه الشاشة الصغيرة لمشاهديها تلك الفقرات المنوعة والقصيرة التي تنتقيها من بين أكثر أحداث العالم غرابة وإثارة. هي فقرات نراها في بعض برامج المنوعات، بل وأيضاً في نهايات النشرات الإخبارية المحتشدة عادة بما قد لا يسرُ المشاهدين إن لم نقل بما يجلب لهم الأحزان. تلك الفقرات تبدو أحياناً غير قابلة للتصديق بما تحمله من خروج على المألوف، وهي لذلك تحمل للمشاهد جاذبية خاصة تزداد ويتعاظم وقعها لأنها تأتي بالصورة. الصورة في الواقعة الغريبة وغير القابلة للتصديق لا تدع مجالاً للشك، وهي في الوقت ذاته لا تلغي الغرابة وما تسببه من دهشة. في عالم التلفزيون تبدو الدهشة (كما في الفنون كلها) في مكانة بالغة الخصوصية، ولعلّ ذلك ما يجعل هذه الوسيلة الإعلامية تتجاوز دورها كوسيلة إلى ما هو أكبر وأجمل، فهي إذ تنقل وتوصل الخبر، تشارك أيضاً فيه. وهنا بالذات تتحدد درجات نجاحها، أي في ما إذا كانت المشاركة فاعلة ولها جاذبيتها أم لا. بعض القنوات الفضائية العربية دأب على مجاراة هذه الظاهرة بتقديم بعض المشاهد الدرامية الملغاة، أي تلك التي وقع خلالها الممثلون في أغلاط اضطرتهم للإعادة، وهي لقطات تثير الضحك غالباً، لكنها في الأحوال كلّها تحقق نتائج معاكسة. ليس غريباً والحال هذه أن تظلّ المشاهد التي تتعلق بالظواهر الطبيعية، وما يقارب «الخوارق» منها هي الأقرب إلى نفوس المشاهدين، والأكثر حضوراً في ذاكرتهم ووعيهم بعد ذلك. هنا يجد المشاهد نفسه وجهاً لوجه مع الطبيعة الأم التي يرتبط معها بوشائج خفية أو شبه خفية. وهو لذلك، يتابع ما يجري فيها بشغف خاص وحميمية تجعله يتأمل ويسأل باحثاً عن تفسير، لكنه قبل ذلك وبعده يبحث عن الدهشة والمتعة. ربما وانطلاقاً مما نقول كانت البرامج التلفزيونية التي تقدم عالم الحيوان بعض أجمل ما قدمته الشاشة الصغيرة منذ نشوئها، وهي كذلك الأكثر متابعة في العالم كله بحيث يتابعها المشاهدون من دون حتى الحاجة إلى وجود الترجمة، فالمشهد المصوّر هو سيد الموقف.