قبل وصول الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الى كوبا، كتب الزعيم فيدل كاسترو مقالة بعنوان «السير الى الهاوية»، قال فيها ان مخاطر عدة تهدد سلام العالم بسبب تجاهل المشاكل العالقة. وحذر كاسترو من وجود اكثر من عشرين ألف قنبلة نووية، لافتاً الى ان استخدام اقل من مئة منها، كاف للتسبب بموت رهيب لكل سكان الارض. وقد تزامن هذا الكلام مع التصريح الذي ادلى به مرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي، مؤكداً بدء تخصيب اليورانيوم في منشأة «فردو» المحصنة قرب مدينة قم. واعتبر المراقبون ان ازمة الصواريخ التي خبرها كاسترو مطلع الستينات، هي التي حضته على التحذير من مخاطر سياسة حافة الهاوية، لعل الاسرة الدولية تتدخل لمنع الانفجار في الشرق الاوسط. أي الازمة التي كادت تدفع واشنطن وموسكو الى صدام نووي في عهد الرئيس الاميركي كينيدي والزعيم السوفياتي خروتشيف. ويعتبر احمدي نجاد ان زيارته لكوبا تمثل اتجاهاً معارضاً لسياسة واشنطن التي تشعر بأن ضغوطها المتواصلة لم تنجح في إسقاط انظمة معادية موجودة في كوبا وسورية وكوريا الشمالية وإيران وفنزويلا. وحدث اثناء زيارته لتلك المنطقة عام 2007، أن طرح الرئيس الايراني على فنزويلا وبوليفيا، فكرة إحياء منظومة دول عدم الانحياز التي تفككت بعد وفاة نهرو وتيتو وعبدالناصر. ولكنه اكتشف خلال زيارته الثانية عام 2009، ان انفراط عقد الاتحاد السوفياتي اضاع فرصة إحياء قوة ثالثة مؤثرة. لذلك اكتفى بعقد اتفاقيات اقتصادية بهدف إبعاد دول اميركا اللاتينية عن نفوذ الولاياتالمتحدة. وقد وقّع اثناء زيارته الاولى 29 اتفاقية، اضافة الى تأسيس مصرف مشترك برأسمال بلغ بليوناً ومئتي مليون دولار. ووصلت قيمة التبادل التجاري بين فنزويلا وإيران عام 2007 الى ما يعادل 18 بليون دولار. وفي حينه، اشار تقرير لإحدى الصحف الغربية، الى ان فنزويلا مدّت ايران باليورانيوم، خصوصاً ان احتياطها من هذه المادة التي تستخدم كوقود في المفاعلات النووية، يقدر بنحو 50 ألف طن. الزيارة التي قام بها احمدي نجاد الاسبوع الماضي لكل من فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا والاكوادور، كانت زيارة سياسية بامتياز. ويبدو انه حاول اقناع صديقه شافيز بأهمية وقف الصادرات النفطية الى الولاياتالمتحدة. وذكرت جهات معارضة ان الرئيس الفنزويلي تجاهل الاقتراح بحجة ان واشنطن قادرة على تأمين الكميات الضرورية من النفط، ولو أدى ذلك الى مضاعفة تكاليف النقل. في حين ان معارضي شافيز سيستغلون قرار المقاطعة، لزيادة عدد المطالبين بإسقاطه في الانتخابات المقبلة. ومعنى هذا ان محاولة تخفيف الضغوط عن ايران، ستأتي من الدول الاوروبية المتضررة من قرار العقوبات الغربية. مثال ذلك ان اليونان – التي تستورد ربع حاجاتها النفطية من ايران – طالبت بإرجاء اعلان قرار زيادة العقوبات لمدة سنة لعلها تتعافى من ازمتها المالية وتتطلع الى مصادر اخرى. والوضع ذاته ينطبق على ايطاليا وإسبانيا، اللتين طالبتا بتأجيل اصدار القرار لمدة ستة اشهر. ذلك ان الاولى تستورد من ايران ما نسبته 13 في المئة، بينما تستورد الثانية 10 في المئة، مع تسهيلات في الدفع تريح الدول المستهلكة. روسيا والصين عارضتا فرض حظر على النفط الايراني في مجلس الامن. لذلك بادرت الدول الغربية الى اتخاد قرارات أحادية، باعتبارها تمثل المستورد الاول. وتقدر الكميات التي تستهلكها اوروبا يومياً ب 500 ألف برميل من اصل ثلاثة ملايين ونصف مليون برميل هي مجمل الصادرات النفطية اليومية الايرانية. على رغم إرجاء مهلة الحظر ثلاثة اشهر اضافية لعل وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو ينجح في اقناع طهران باستئناف المفاوضات مع مجموعة الدول الخمس. علماً ان انقره رفضت الالتزام بتطبيق العقوبات باستثناء تلك التي فرضتها الاممالمتحدة. وأعلن وزير الطاقة التركي تانر يلديز ان بلاده تستورد من ايران اكثر من 40 في المئة من حاجتها النفطية، وأنها ليست على استعداد لتغيير موقفها. بدءاً من نهاية هذا الشهر، تسعى فرنسا الى تشكيل تحالف دولي يرمي الى مضاعفة الضغط على ايران، تجنباً لمغامرة عسكرية تقوم بها اسرائيل في حال تأكدها من انتهاء المشروع الذري الإيراني. ويحاول ساركوزي ان يفصل مسعاه عن السوق النفطية العالمية التي رفعت سعر البرميل من مئة دولار الى 113 دولاراً الاسبوع الماضي، عقب اعلان الرئيس اوباما مقاطعة البنوك الايرانية. وكما استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة سورية لزيادة شعبيته قبل الانتخابات، فهو حالياً يستخدم الورقة الايرانية للغرض ذاته. وقد اتهم في هذا السياق، الدول الغربية بأنها تهدف من وراء إثارة الازمة النووية، الى تغيير نظام الجمهورية الاسلامية. وكان من الطبيعي ان يزعج هذا التفسير مرشد النظام علي خامنئي الذي حرص على متابعة المناورات العسكرية لدعم موقف محمود أحمدي نجاد. وأعربت الصين عن قلقها من تنامي الخلاف بين ايران والدول الغربية. وبما ان نموها الاقتصادي سيتأثر بنتائج هذا الخلاف، فقد قررت تنويع مصادر الطاقة تحسباً لأي عمل مفاجئ. لذلك ارسلت رئيس الوزراء وين جياوباو الى السعودية والخليج بهدف البحث عن بديل من النفط الايراني في حال اقفل مضيق هرمز. علماً ان الصين كانت قد خفضت واردات النفط من ايران، بدءاً من الشهر الماضي بسبب اصرارها على تعديل شروط العقود السابقة. وفي لقائه مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز والأمراء نايف وسلمان وسعود الفيصل، اشار رئيس مجلس الدولة في الصين الى اهتمام بلاده بزيادة مستوى التعاون في مختلف المجالات. ووعد بتشجيع شركات بلاده ذات السمعة العالمية، على المساهمة في مشاريع السكك الحديدية والموانئ والاتصالات والبنية التحتية. وقبل ان يغادر المملكة، وقع رئيس الوفد المرافق له باسم شركة سينوبيك، مع شركة ارامكو، على اتفاقية تقضي ببناء مصفاة في ينبع تبلغ طاقتها 400 الف برميل يومياً. منتصف الشهر الماضي، ألقى الرئيس اوباما خطاباً في مؤتمر الاصلاحيين اليهود، اكد فيه اصرار بلاده على منع ايران من امتلاك سلاح نووي. ووعد بممارسة الضغوط على طهران بمختلف الوسائل الديبلوماسية والعسكرية. وتردد في واشنطن ان اللقاء الذي عقده وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك مع الرئيس الاميركي، هو الذي تسبب في تغيير موقف واشنطن. وظهر هذا التغيير جلياً في الزيارة التي قام بها يوم الخميس الماضي رئيس اركان القوات الاميركية المشتركة الجنرال مارتين دمبسي لتل ابيب. وقد دشن هذه الزيارة باجتماعات مكثفة عقدها مع الوزير باراك ورئيس اركان الجيش الاسرائيلي بيني غانتس وكبار المسؤولين عن الاجهزة الامنية. والزيارة، كما وصفتها جريدة «هآرتس» جاءت في اطار محاولة اميركية لتنسيق العمليات مع اسرائيل في الشأن الايراني، وإقناع نتانياهو بعدم شن هجوم قبل التفاهم مع واشنطن. وذكرت الصحيفة ان الرئيس الاميركي ووزير دفاعه ليون بانيتا، بعثا برسائل الى كبار السؤولين الاسرائيليين، تشير الى الأبعاد الخطرة لمثل هذا الاشتباك، وطالبا بتوفير متسع من الوقت لفحص تأثير العقوبات التي فرضت على ايران. كذلك نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» خبراً مفاده ان اوباما بعث برسالة الى المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي – عبر قنوات سرية – وصف فيها اغلاق مضيق هرمز بأنه خط احمر يستدعي رداً اميركياً عنيفاً. وكررت اذاعة اسرائيل بث نص الرسالة لتقول ان اوباما رفع لهجة التحذير الى مستوى التهديد، علماً ان وزير دفاعه يؤكد ان ايران يمكنها امتلاك قدرات تكنولوجية لصنع قنبلة نووية خلال عام 2012. يبقى السؤال المتعلق بأهداف زيارة رئيس اركان القوات الاميركية المشتركة لاسرائيل، وما اذا كانت ترمي الى تنسيق المواقف ام الى اعاقة الضربة العسكرية ستة اشهر اخرى؟ يقول الخبراء العسكريون ان ضرب المفاعلات النووية الايرانية يختلف جداً عن ضرب المفاعل النووي العراقي، إن كان بسبب الموقع ام بسبب الوسائل العسكرية المتاحة. ففي حين يكون سلاح الجو الاسرائيلي قادراً على تنفيذ طلعة جوية او اثنتين قبل ان يوقفه الضغط الدولي، يستطيع الاميركيون تحقيق طلعات عدة فوق ايران. ذلك انهم يملكون قوة جوية مؤلفة من مئات طائرات القصف ومئات الصواريخ البحرية الموجودة فوق حاملات الطائرات والقواعد الجوية التي تزنر ايران من كل صوب. لكن، هل يعني وجود امكانات القصف والتدمير لدى القوات الاميركية، انها تسمح لها بحرية الاستعمال ضد دولة اخرى اذا لم تكن هناك مبررات موجبة؟ يرى البريطانيون ان العقوبات الاقتصادية وقرارات حظر النفط لا يمكن ان تدفع ايران الى اغلاق مضيق هرمز، كونها قادرة على تخطي العقوبات لفترة زمنية محدودة. ولكن طهران تحتفظ بورقة اقفال المضيق بهدف توريط الولاياتالمتحدة في حرب ثالثة – بعد العراق وأفغانستان – يكون ثمنها مكلفاً على الرئيس اوباما الغارق حتى أذنيه بالديون... وعلى دول الاتحاد الاوروبي التي تخشى ارتفاع سعر برميل النفط الى مئتي دولار وأكثر. المشكلة الاساسية في ازمة ايران تكمن في توقيتها المربك. ذلك انها انفجرت ابان حملات التشنج العالمي التي تشهد استعدادات غير مسبوقة للانتخابات النيابية في ايران، والتجديد لأوباما وبوتين وساركوزي. من هنا تبدو عملية الربط بين ما يعلن للاستهلاك الداخلي... وما يضمر للاستهلاك الخارجي، مواجهة شرسة بين النظام الايراني والانظمة الغربية الخائفة على اقتصادها من خوض حرب قد تنتهي ب «ربيع اوروبي» يولد من تظاهراته هتلر آخر وموسوليني آخر! * كاتب وصحافي لبناني