ودعت محلة الأشرفية في بيروت ضحايا المبنى الذي انهار مساء الأحد الماضي مخلفاً 27 قتيلاً و12 جريحاً. وعمت أجواء الحزن والأسى أرجاء المحلة التي فرضت على نفسها حداداً عاماً، فأقفلت المحلات التجارية والمؤسسات فيها أبوابها، كما غادر تلامذتها مدارسهم قبل حلول الظهر، لينضم بعضهم إلى مواكب تشييع «الأصدقاء» وهي تجول شوارع الأشرفية للمرة الأخيرة، في حين لم تخفت أصوات المفرقعات النارية وقرع الطبول وأجراس الكنائس تحية للراحلين. ومنذ الصباح لف الحزن ساحة ساسين التي زينت بالشرائط البيض، في حين اتشحت نسوتها بالأسود، ونزل بعضهن إلى الشارع مودعين بالدموع النعوش المزينة بالورود للأبناء الثلاثة فرحات وجهاد وشربل نعيم الذين قضوا بينما كانوا يحاولون إخراج والدهم المقعد طانيوس من المبنى قبل انهياره. وجالت النعوش الشوارع من مستشفى رزق إلى كنيسة قلب يسوع في بدارو حيث ترأس رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر رتبة الدفن لراحة أنفس الأخوة الثلاثة ووالدهم. وسأل مطر: «من الذي قصر حتى يدفع هؤلاء الناس هذا الثمن الغالي؟»، لافتاً إلى أن «الوطن اللبناني ينحني حول هذا الوضع لندرك ما علينا فعله كي لا نموت بهذه الطريقة». ولفت إلى أنه «على رغم تواجد الجميع ساعة وقوع الكارثة لم نكن موحدين حول العمل، وما كان ينقص هو أن الدولة تكون موحدة حول أجهزتها وأن تكون لها رؤية واضحة لتتدارك الأمور»، معتبراً أن الشعب اللبناني له الحق في أن يعيش و «نحن نتغنى بالديموقراطية التي هي حكم الشعب». ثم غادر موكب الضحايا إلى بلدة زحلتا في جزين جنوب لبنان ليواروا الثرى. وأمام مدرسة زهرة الإحسان في الأشرفية، حملت ابنة ال16 سنة، آن ماري عبد الكريم في نعش أبيض على أكتاف رفاقها، وهي كانت أول ضحية يتم إخراجها من تحت الأنقاض بينما نجت شقيقتها التوأم انطونيللا وشقيقها أنطوني. وجال رفاق آن ماري حاملين جثمانها في شوارع الأشرفية وصولاً إلى فسوح حيث تفقد النعش ركام المنزل الذي ولدت فيه وقضت فيه، وأطلقت النسوة في الحي الزغاريد. وفي كنيسة سيدة الدخول في الأشرفية، ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة الصلاة لراحة نفس الشابة، بمشاركة رسمية وشعبية. وقال: «محزن جداً فقدان الأحبة، لكن المحزن أكثر أن الفقيدة لم نكن لنفتقدها لولا انهيار المبنى». وسأل: «أين الدولة من كل هذا، والبلديات، والإدارات المسؤولة عن الكشف على المباني القديمة؟». الجميل عند مطر وكان الرئيس السابق أمين الجميل زار المطران مطر، وأشار إلى مشروع تقدم به الوزير الراحل بيار الجميل عن الوقاية من الأحداث والكوارث الطبيعية. وقال: «آن الأوان لأن يعود مجلس النواب وينكب على دراسة هذا المشروع الذي ولو أبصر النور لتجنبنا هذا النوع من الكوارث». وأعلن تقديره «الخطوات السريعة التي قامت بها الحكومة لمعالجة الناحية الإنسانية».