تظل «المرأة السعودية» العنوان العريض واللافت، الذي يجلب لصاحبه الحظ، قضاياها المتعثرة في مجتمعها جعلتها مادة دسمة لكل من أراد أن يصنع مجداً وشهرة، إثارة الجدل حولها، تتناقل أخبارها وقضاياها بين صحفنا المحلية وقنواتنا الفضائية وعالمنا الافتراضي، الكل أصبح ذا خبرة ومفتياً وناشطاً اجتماعياً، الكل غيور عليها يعمل لمصلحتها سعياً لتنال حقوقها من وجهات النظر الأحادية، البعض منهم لبس لباس الدين وفرض رأيه، بل وقرر عنها وتحدث باسمها، وأوحى لها أن إبقاءها في منزلها سيجلب لها الكرامة والهيبة وأنها الجوهرة المُصونة، وهو حارسها المحافظ عليها من الأشرار المتربصين لها في الخارج، وآخر اختار لباس الناشط الاجتماعي الذي يطالب بحقوق هو من أوجدها لها، وجعلها قضيته. كلاهما لم يتنازل ويسأل ماذا تريد «المرأة السعودية»؟ تحدثوا وملأوا فضاءنا وعالمنا الافتراضي وصحفنا بكلامهم المنسق وتبريراتهم المقنعة، لتصدم تلك المرأة بعد ذلك بواقعها المخالف لما ينادون به. بين ليبرالي وآخر إسلامي وقفت المرأة السعودية تنظر وهي مغلوبة على أمرها مقهورة ومكسورة الجناح، فكل تلك النقاشات ما هي إلا مجرد كلمات يلوحون بها بين الحين والآخر تكسب صاحبها مكانة اجتماعية بحسب مناصريه من التيار الذي يتحدث باسمه، دون أن تلامس واقعها أو تغيره. ظلت المرأة صامتة تراقب تغير أوضاعها وأخذها لحقوقها، فلم تجد إلا القليل من المدافعين الحقيقيين المؤمنين بقضيتها الرئيسة في مجتمعها والمحصورة حول «النظرة الدونية لها»، قليل منهم ومن مختلف التيارات الفكرية الاجتماعية من استوعب أن مشكلتها لا تقتصر على قضايا اختلاط وحجاب وقيادة السيارة أو مجالات عمل جديدة، بل هي أكبر وأعمق من ذلك بكثير، تستوجب لنصرتها إعادة هيكلة مجتمعها كاملاً بكل أطيافه، ليثق بها ويتعامل معها على أنها إنسان ومواطن وجزء لا يتجزأ منه وليس لوصايا الذكور مكان فيه. إذ إنها بحصولها على الثقة من أبناء مجتمعها كافة ستستطيع أن تقود سيارتها بينهم من دون أن يروا هنالك حرجاً، كما أنها تستطيع أن تعمل في وظائف عدة، وتقابل الجمهور بثقة دون أن يرى البعض أن هذا جرم وصاحبته اقترفت ذنباً عظيماً، وسيكون بإمكانها مراجعة الدوائر الحكومية كافة، وإنهاء تعاملاتها من دون الحاجة لأحد ومن دون أن يستنكر الموظف وجودها في تلك الدوائر. هي تريد من مجتمعها بكل تياراته الفكرية أن يتعامل معها بثقة واحترام دون النيل من سمعتها وكرامتها وسلبها لحقوقها سواء بقمعها أو تغريبها لتتماشي مع معتقدات هذا أو ذاك. هي تريد رفعها لدرجة المواطنه الكاملة، وأخذ حقوقها من دون قمع أو اضطهاد، بعيداً عن سد الذريعه أو التغريب. [email protected]