افتتح في باريس العرض المسرحي «العلاقات الخطرة» من إخراج السينمائي الأميركي جون مالكوفيتش على مسرح «لاتيلييه». حضر الافتتاح وزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران وجمع من الشخصيات الفنية البارزة. وكان مالكوفيتش قد أدى دور البطولة في فيلم «العلاقات الخطرة» الذي أخرجه البريطاني ستيفن فرييرز في منتصف ثمانينات القرن العشرين، إلى جانب كل من الممثلتين غلين كلوز وميشيل فايفر وكذلك المبتدئة حينذاك أوما ثورمان. وتسرد حبكة «العلاقات الخطرة» الرهان الجهنمي الذي يربط بين رجل وامرأة وطريقة قيام الرجل بإغواء شابة أرستقراطية ساذجة وعفيفة وإيقاعها في غرامه على رغم سمعتها الممتازة، ومن ثم تبدأ النتائج الدرامية التي تترتب على هذا الموقف. وتدور الأحداث في القرن الثامن عشر ويتبادل المراهنان الرسائل بواسطة خادميهما، إذ يروي هو إلى أين وصل في عملية جذب طريدته، بينما ترد عليه هي بالنصائح والتعليمات الخاصة بالوصول إلى الهدف المرغوب فيه، إضافة إلى محاولتها تحطيم معنوياته مؤكدة له أنه سيخسر رهانه معها. والرواية الأصلية ألفها شوديرلو دي لاكلو أواخر القرن الثامن عشر، وهي تعتبر من الأعمال المهمة في تاريخ الأدب الفرنسي. تفاصيل جديدة ومالكوفيتش الذي سبق له أن أخرج مسرحيات في نيويورك ولندن وباريس، قدّم نسخة من «العلاقات الخطرة» في باريس، من دون أن يشارك فيها كممثل بل اكتفى بالإخراج. والجدير ذكره أن مالكوفيتش أعاد بمساعدة المؤلفة فانيت برايا كتابة النص الأصلي مع التحوير فيه، ليس من حيث مضمون الحبكة ولكن في التفاصيل المجاورة للجوهر، مثل حكاية الرسائل التي صارت في النسخة الجديدة عبارة عن رسائل إلكترونية تضامناً مع روح الزمن الحالي. واللهجة التي باتت تتميز بكلمات يستخدمها الشباب الآن بدلاً من العبارات الأدبية المدروسة التي كان يتبادلها المتراهنان في رسائلهما المكتوبة بخط اليد وبالريشة. وهكذا صارت «العلاقات الخطرة» تحت إدارة مالكوفيتش مسرحية حديثة تروي بشاعة تصرفات رجل وامرأة تجاه فتاة شابة حولها الثنائي إلى لعبة بين أيديهما. وحتى الشابة في نسخة مالكوفيتش، لم تعد بريئة مغمضة مثلما هي في النص الأصلي، إذ أنها شابة معاصرة طيبة القلب بكل تأكيد ولكنها تعرف الرجال ولا تتردد في خوض التجارب العاطفية معهم. ولذا يتخذ التخطيط الهادف إلى إسقاطها في حبال المراهن عليها شكلاً مختلفاً عما هو عليه في العمل الأساسي. واختار مالكوفيتش الممثلة السمراء جينا جيمبا لأداء دور الفتاة، وهي فضلاً عن امتلاكها موهبة درامية فذة، تتميز بجاذبية طاغية أحب المخرج أن يسلط الضوء عليها عن طريق الثياب الخفيفة جداً التي ترتديها في العديد من مشاهد المسرحية. بينما يمثل دور الرجل لازار هرسون ماكاريل الذي يتميّز بوسامة تلائم الشخصية التي يؤديها ولكنه من الناحية الفنية بعيد كل البعد عما كان عليه مالكوفيتش في النسخة السينمائية من العمل ذاته. ويتضح أن النقص الأساس الذي تتصف به النسخة المسرحية من «العلاقات الخطرة» على طريقة مالكوفيتش، يكمن في الرصانة وفي عمق التصرفات التي تقوم بها الشخصيات المختلفة، ربما لأنها شابة جداً بينما كانت تتميز بشيء من النضج في الفيلم والرواية الأصلية التي كتبها شوديرلو دي لاكلو، باستثناء الفتاة ضحية الموقف التي لا بد أن تكون صغيرة في السن وبريئة. أما الجانب السطحي من تصرفات الشخصيات كافة، فهو متوافر في المسرحية حال ما هو موجود في العمل الأساسي، ولكنه ينبع في هذه المرة من سطحية الشخصيات نفسها بينما من المفروض إذا عدنا إلى الأساس، أن يأتي من الرذالة التي تميز طابع الرجل والمرأة ومزاجهما الملتوي الذي يدفع بهما إلى تحطيم صبية في سبيل رهان. يخرج المشاهد من العمل ربما بشيء من خيبة الأمل، ولكن الإخراج والسينوغرافيا والملابس التي أشرف عليها مالكوفيتش شخصياً، تعوض عن ذلك. وكان مالكوفيتش بدأ حياته الفنية مصمم ملابس وديكورات في مسرح صغير في شيكاغو، وقدم أعمالاً كلاسيكية مع الفرقة التي أسسها آنذاك «ستيبنوولف». وأخرج في الماضي في باريس مسرحية بعنوان «هستريا» تسببت بإطلاق الممثلة ماري جيلان التي صارت نجمة مرموقة في ما بعد، مما يجعل الرهان مفتوحاً أمام احتمال بروز جينا جيمبا إثر تقمصها دور الفتاة في «العلاقات الخطرة» في حلتها «المالكوفيتشية» الجديدة.