دخل المطرب والملحّن اللبناني زياد برجي عالم التمثيل من بابه العريض من خلال دور البطولة في مسلسل «غلطة عُمري» الذي تُعرض الحلقة الأخيرة منه الليلة على شاشة «إم تي في». قبل الغوص معه في تجربته التمثيلية ونتائجها، لا بد من سؤال يشغل بال جميع مَن تابع المسلسل: ماذا سيحصل الليلة في الحلقة الأخيرة؟ يصمت للحظات طويلة كأنّه يفكّر في صيغة لا يكشف فيها تفاصيل كثيرة، فنسهّل مهمته ونقول إنّنا نتوقّع أن يموت أحد البطلين في المسلسل، هو أو «ليلي» التي تلعب دورها نادين الراسي، فيردّ ممازحاً: «إن شاء الله أنا وليس هي»! بعد عرض الحلقة الأولى سمع برجي إطراءات كثيرة حول أدائه، ولكن بما أنّه لم يكن يعرف ما المعايير التي يجب اعتمادها لتكوين رأي حول الأداء التمثيلي لم يستطع أن يتّخذ موقفاً، واعتبر أنّ ما يسمعه هو تشجيع لمبتدئ في التمثيل. مع تقدّم الحلقات بدأت ثقة زياد بأدائه تصبح أقوى، بخاصّة بعدما سمع رأي الممثلة هيام أبو شديد والكاتبة كلوديا مرشليان والممثلة نادين الراسي، إضافة إلى رأي المنتج مروان حداد. «أدركت أنّ ما قدّمته لم يكن أمراً بديهياً، وأنّ الإطراءات التي تتردد ليست مجرّد مجاملات». اللافت أن زياد، على رغم كل ذلك، يرفض اعتبار أنّه أصبح ممثلاً قديراً، قائلاً: «أنا لا أسمح لنفسي بالادّعاء أنّني صرت أعرف كل شيء عن التمثيل»، ثم يضيف: «أرفض أن أضع نفسي بنفسي في مرتبة مرتفعة، بخاصّة أن ممثلين كباراً أمضوا في المهنة سنوات طويلة كي يصلوا إلى مراتب عالية، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن أظهر فجأةً في مجال التمثيل وأقول إنّني صرت نجماً أو أظنّ نفسي بطل العالم». التواضع الواضح في كلام زياد برجي يظهر في المنطق الذي يعتمده، بخاصّة حين يقول إنّه يتردد قبل قبول لقب «ملحّن»، مع العلم أنّه أعطى ألحاناً للفنانين جورج وسوف وراغب علامة وفضل شاكر وأيمن زبيب وللفنانات إليسا ونانسي عجرم ودارين حدشيتي... شروط الموهبة التمثيلية الكامنة داخل زياد برجي لم يكن يُدرك أنّها موجودة في هذا الشكل، ويعتبر أنّ الآخرين اكتشفوا أنّه موهوب في التمثيل قبل أن يفعل هو. اليوم، بعدما بات مدركاً هذه الحقيقة، هل يمكن القول إنّه دخل رسمياً مجال التمثيل؟ «نعم» يؤكّد، «ولدي شرط لا أتراجع عنه، وهو ألّا يقلّ مستوى العمل التالي عن الأول، فكما أحدث «غلطة عمري» صدمة إيجابية عند المشاهدين هكذا يجب أن يفعل العمل الثاني». يوضح زياد أنّه كان يعتقد أنّ الممثلين يستعملون عادةً «كليشيه» أنّ الناس يطالبونهم بتقديم أعمال جديدة، لكنّه لمس أنّ هذه الفكرة ممكن أن تكون واقعية بعدما استوقفه عدد كبير من المشاهدين ليقولوا له: «عليك أن تتابع مسيرتك في التمثيل، لا تتوقّف». هل من عروض تلقاها لأعمال جديدة؟ يفصح أنّه عُرِض عليه أكثر من عرض، لبناني ومصري، لكنّ الأولوية ستكون لشركة «مروى غروب» التي أطلقته ممثلاً. المثير للاستغراب هو أنّ زياد برجي الآتي من عالم الغناء والتلحين حيث المردود المادي يمكن أن يصل إلى مبالغ كبيرة قرر بنفسه الدخول إلى عالم التمثيل الحافل بالزعزعة الاقتصادية، فلماذا يفعل ذلك في الوقت الذي نجد فيه ممثلين احترفوا الغناء فقرروا عدم «إضاعة» وقتهم بالتمثيل؟ يجيب: «لا أدّعي أبداً أنّني شخص مثالي وأنّ موضوع المردود المالي لا يخطر في بالي أبداً، لكن السرّ يكمن في أنّ طموحاتي المادية ليست واسعة إذ يكفيني ألّا أحتاج أحداً مالياً، لذلك أركّز في المسلسل على المردود المعنوي الذي حظيت به». دموع ما أصعب أمر واجهه في التمثيل؟ يجيب أنّه وجد صعوبة في التمثيل أمام الفريق التقني لأنّه كان يشعر بأنّهم لا يشاهدونه بل يتفرّجون عليه وهم يقومون بعملهم، «لذلك كنت أشعر بالخجل في أحيانٍ كثيرة». وما هو أروع إحساس اختبره؟ يتذكّر سريعاً أنّ أجمل اللحظات شعر بها حين قدّم مشهداً مؤثراً تخبره خلاله حبيبته أنّ الولد هو ابنه، فكان منغمساً في المشهد بصدقٍ إلى درجة أنّ المخرج فيليب أسمر أعلن انتهاء المشهد بصوتٍ مختنق، ثمّ نظر زياد إلى فريق العمل فرأى الدموع في عيون المسؤولين عن الصوت والإضاءة والثياب والطعام... «شعرت بأنّني أحصل على شهادةٍ تقدير صادقة من أشخاص يساهمون في صناعة المشهد، أي أنّهم يدركون أنّ ما نقوم به مجرّد تمثيل، ومسألة أنّهم شعروا أنّ المشهد حقيقي تعني أنّ الأداء كان جيداً». وردّاً على السؤال حول التقنية التي اتّبعها كي يستطيع منذ تجربته الأولى أن يبدو بهذه العفوية يوضح زياد أنّه لم يملك الوقت الكافي لمتابعة دروس في التمثيل أو لقراءة كتب حول الموضوع، بل لم يملك الوقت لحفظ نصوصه لأنّه كان مسافراً حين وصلت الحلقات إلى البيت، فاتّصل بالكاتبة واستأذنها أن يخرج عن حرفية النص ليعبّر عن الفكرة المُراد إيصالها بكلماته الخاصة، وهكذا استطاع أن يبدو مقنعاً ويتفادى أن يبدو كالذي يسمّع أمثولته.