تُحاول التشكيلية المصرية نرمين الأنصاري من خلال رسومها التي غطّت جدران قاعة «آرت اللوا» في القاهرة، إنشاء خريطة لمسارات الحلم كما تتخيلها. وترسم الأنصاري التي تخرجت في كلية الفنون الجميلة في القاهرة، وأكملت دراساتها العليا في باريس، خطوطاً كثيرة متشعبة ومتشابكة، تحيط بها مساحات صغيرة من اللون الأحمر. ويمكنك أن تتبين أجزاء تشريحية من الجسد الإنساني بين هذه المساحات التي اجتمعت في معرض فردي بعنوان «الحلم ومعكوسه». شاركت الأنصاري في عدد من ورش العمل في لبنان وساحل العاج وتايوان وألمانيا. وقدَّمت معارض فردية، وشاركت في كثير من المعارض الجماعية، كان آخرها في قاعة «درب» بعنوان «كائنات المبنى الحلزوني» حيث قدَّمت رؤيتها الشخصية حول مبنى التلفزيون المصري ودوره في تغييب الوعي العام في مصر. تمتد أعمال نرمين الأنصاري من الرسم إلى التركيب، ومن الدفاتر إلى الطباعة، ومن الرسم إلى استعراضات الرسم الرقمي المباشر. انصبّ اهتمامها في أعمالها الأولى على الجسد البشري وأشكال الحيوانات، مقدمة وجهة نظر مشوّشة في أحيان كثيرة لمواضيعها، كاشفة سلسلة من الثنائيات والتبادل. وخلال السنوات الثماني الأخيرة، ركَّزت على المدينة والحدود والمناطق، والخرائط الحقيقية والمتخيلة، مستكشفة الثنائيات التي ينتجها المشهد الحضري عموماً. أما في «الحلم ومعكوسه»، فتقدم نظرة عميقة للعوالم المتخيلة للحلم، كما تراه هي. خليط من الأفكار والخرافة. اليقين وعدم اليقين. هي تبحث في مسارات هذا الحلم عبر خطوطها المتشعبة والمتشابكة. تتوقف حيث القلب مصدر المشاعر والأحاسيس، ترسمه كبيراً الى طرف الحائط ينبض حياة ومشاعر عبر هذه الشرايين اللونية المتشابكة، فيفقدنا الإحساس للحظات أننا نعيش الواقع بكل ما يحمله من قبح وجمال... ذلك الواقع الذي يشتبك مع الرسوم المعروضة، متسللاً إلى هذه القاعة الصغيرة عبر أحد أكثر الأحياء الشعبية ازدحاماً. على هذا الحي المزدحم بالناس والتناقضات، فتحت الأنصاري نافذة حلمها على مصراعيها لتلتقي تخيلاتها وأوهامها، هواجسها وأحلامها، مع هذا الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال. تتشعب الخطوط أكثر. تتسلق الجدار، لتحتضن صورة تشريحية أخرى للعين. وهنا يتشابك البصر والبصيرة، فتنبسط مساحة أخرى من التأمل والمراجعة. ثم تستمر الخطوط منسابة عبر جدران القاعة لتشكل لحناً غرائبياً، يمت بصلة ما إلى رسوم الأطفال وعلامات الزمن على الجدران. «الحلم ومعكوسه» هو لرسم ملامح هذا الحلم وتضاريسه، كما تقول الأنصاري. رسمته بارتجال خلال الأيام القليلة التي سبقت افتتاح المعرض، وساعدتها القاعة بمساحتها ووجودها وسط أحد الأحياء الشعبية المنتشرة على أطراف القاهرة، في صنع هذه الحالة من التناقض بين حلمها المرسوم وواقعها بكل صخبه وعشوائيته.