يعتبر نائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك، ان حديثه عن «ديكتاتورية» رئيس الوزراء نوري المالكي يأتي في نطاق وصف سياسي، ويقر بأن اطلاق صفة الديكتاتورية على رئيس حكومة من قِبَل نائبه ليس صحيحاً في أوضاع دولة طبيعية، لكنه يرى في المقابل ان من حقه ان يصف المالكي بهذا الوصف عندما يقود بقاء الوضع على ما هو عليه إلى دمار العراق. المطلك في حديث الى «الحياة»، يؤكد أن «إيران ما زالت تريد المالكي رئيساً للحكومة»، وأن ذلك سيعمّق الأزمة الداخلية، لكنه يرفض توجه «العراقية» إلى المعارضة البرلمانية، ويعتبر هذا الخيار «انتحاراً سياسياً»، فيما يشترط للذهاب إلى «الانتخابات المبكرة» تشكيلَ حكومة تشرف على الانتخابات ولا تشترك فيها، منعاً لعمليات التزوير المتوقَّعة. وهنا نص الحوار: نبدأ من صورة تلوح في الأفق السياسي هذه الأيام، مفادها أن خطوط الوصل قُطعت بينك وبين رئيس الحكومة نوري المالكي بعد تصريحاتك الأخيرة وصدور قرار إقالتك؟ - سواء قُطعت تلك الخطوط أم لا، فإن بقائي في منصبي أو مغادرتي إياه أمر متروك إلى البرلمان ولي. أما أن يصرِّح السيد المالكي بإقالتي، فإنه بذلك يؤكد تلك الديكتاتورية القاتلة التي تغلغلت في داخله. كان بإمكانه القول إن الأمر متروك إلى البرلمان، ونترك السلطة التشريعية التي اختارتني لمنصب نائب رئيس الحكومة أن تقرر، علماً انني لست من المطالبين بالمناصب ولا الساعين اليها. دعني أقل إنه (المالكي) محق حين يقول إن العمل أصبح صعباً بيني وبينه، لكنه غير محق في أن يتخذ قراراً بهذا الشأن، أنا بدوري أفضل ان يستقيل المالكي من منصبه ويترك المجال لأناس آخرين أكثر التزاماً، أو أن يذهب إلى حل الحكومة الحالية ويشكلها من جديد، وبالتالي يستطيع أن يأتي بمن يريد. وجودنا اليوم (القائمة العراقية) في الحكومة ليس اختياراً من رئيس الوزراء، وإنما وجودٌ فرضته التوافقات السياسية التي جاءت به وبي إلى المناصب التي نشغلها الآن. سأتوقف عند الوصف الذي أطلقْتَه على المالكي وكان من أسباب اندلاع هذه الأزمة، كثيرون يتساءلون أليس المطلك من أركان الحكومة؟ فلماذا يُطلق أوصافاً مثل «الديكتاتور» على رئيسها وهو نائب له؟ - في سياقات الدولة الطبيعية، هذا كلام صحيح، لكن هل نحن الآن نعمل ضمن سياقات دولة؟ عندما يذهب رئيس الوزراء إلى الولاياتالمتحدة الأميركية من دون إعلام مجلس الوزراء عن الأجندة التي يحملها والأمور التي سيناقشها هناك، وعندما يذهب ويهمّش الأطراف الأخرى ويأخذ فقط المقربين منه، فإنه لا يتصرف باعتبارنا مشاركين في هذه الحكومة، ومن حقنا أن نتكلم بالسياق الذي تكلمنا به، فنحن لا نجد سياقات حقيقية في إدارة الدولة، والوصف الذي أطلقْتُه (ديكتاتور) هو وصف سياسي بحت. مرة أخرى أقول إن طبيعة تشكيل الحكومة هي طبيعة توافقية، وأنا لست نائباً للمالكي، بل أنا نائب لرئيس مجلس الوزراء في حكومة توافقية، ومن حقي أن أصف المالكي بهذا الوصف عندما تصل الامور إلى حد يصبح بقاء الوضع على ما هو عليه دماراً العراق. لم أكن أتحدث بشكل اعتباطي، بل كان الهدف هو إعلام العراقيين والعالم بأن المسار الذي يمضي اليه رئيس الوزراء اليوم خطير جداً على مستقبل البلد، بل هو خطير على مستوى مستقبل المنطقة، وبالتالي كان الظرف بحاجة إلى صرخة ضمير من كل مخلص لهذا البلد بأن يقول كلمة الحق بعد أن اصبح السيد المالكي يسيطر على منظومة الأمن بكاملها، من دون مؤسسات يعمل من خلالها. اليوم هو القائد العام للقوات المسلحة، لكن لا توجد في العراق قيادة عامة للقوات المسلحة، هذا المنهج أضعف المؤسسة الأمنية بشكل كبير وجعل قوى الارهاب تفتك بأرواح العراقيين بشكل يومي، فالسكوت على هذا الامر خيانة، وأنا لا أريد أن أكون خائناً في مهمة أوكلها الشعب لي. الانباء تتحدث عن بداية لحلحلة الأزمة على أثر تفاهمات المالكي والنجيفي (رئيس البرلمان)؟ - اللقاء بين السيد المالكي والسيد النجيفي حصيلته النهائية التهدئة والذهاب إلى مؤتمر وطني. وهل تجد أن الأمور تتجه نحو التهدئة؟ - عليك أن تلاحظ اولاً أنه في ليلة الاتفاق نفسها ذهب السيد المالكي ليصرح في إطار التهديدات، فحتى اتفاق التهدئة الذي طلبه هو وتم التوافق عليه لم يلتزم به. إذا كان المطلوب من «العراقية» تهدئة إعلامية فيما يذهب هو (المالكي) باتجاه التصعيد ضدنا، فهذا امر غير منصف، بل إنه ذهب باتجاه المزيد من الإجراءات التعسفية، ومنها منح الوزراء إجازات إجبارية، علماً أن هذا الإجراء غير دستوري ولا يقره مبدأ التوافق ولا الشراكة، فالحكومة ليست شركة هو رئيس مجلس إدارتها ولديه غالبية أسهمها. هناك حديث بالفعل عن حكومة «غالبية»، فهل تعتقد أن المضي إلى هذا الخيار قد يكون حلاًّ؟ - الغالبية ليست مرفوضة من حيث المبدأ، بشرط ان تكون غالبية سياسية وليست غالبية عرقية أو طائفية. ومع هذا، دعني أقل إن المالكي اليوم هو رئيس حكومة غالبية فعلية، لأن لديه غالبية في مجلس الوزراء وفي البرلمان، ويمرر الأمور التي يريدها، والآخرون مشاركتهم هامشية. بعضهم يأخذ على قادة العراقية «التوتر» في ادارة الأزمة الحالية؟ - ليست «العراقية» وحدها المتوترة، بل ان «التحالف الوطني»، الذي يضم «ائتلاف دولة القانون»، معظم مكوناته تريد التخلص من المالكي. لكننا كإعلاميين لم نسمع تصريحات من قيادات «التحالف الوطني» تشير إلى نيتهم التخلي عن المالكي، بل بالعكس، هناك إعلان رسمي بدعمه؟ - حقيقة الأمر أنهم لا يريدون بقاء المالكي في السلطة، ولكن ربما لا يغامر احد بالخروج إلى الإعلام للحديث بهذا الأمر، بسبب سياسة البطش الموجودة في الداخل والتهديدات من الخارج. اليوم مثلاً، يؤكد «التحالف الكردستاني» أنه يرفض طلب اقالة صالح المطلك من منصبه، ويرفض بعض قوى التحالف الوطني هذه الإقالة علناً، ومع هذا، فالمالكي يعلن إصراره على موقفه، ومن خلال ذلك تمكن قراءة توجهات القوى. هل هذا يعني أنك متمسك بمنصب نائب رئيس الحكومة؟ - لست متشبثاً بالمنصب، ولست مصراً على موقع نائب رئيس الوزراء منذ بداية تشكيل الحكومة، وأعتبر هذا الموضوع جزءاً من التضحية التي قدمتها القائمة العراقية خلال تشكيل الحكومة، فالمنصب ليس «برستيجاً» ولا يقدم مزايا خاصة، بل ربما بإمكاني تقديم خدمة لأبناء شعبي من خلال هذا الموقع، لكن عندما تطالب الكتل السياسية برفض إقالة المطلك أو غيره ويتمسك رئيس الحكومة بموقفه، فعن أي ديموقراطية نتحدث وعن اي توافق؟ لكن هناك حديثاً عن مناقلات في المواقع الخاصة بالقائمة العراقية، كأن تتسلم منصب نائب رئيس الجمهورية على ان يتسلم آخرون منصبك؟ - لن أتحدث إلا في ما يخصني، أنا لست باحثاً عن موقع بديل حتى لو مُنح لي، أنا أبحث عن تغيير حقيقي في طريقة إدارة الدولة لتسير بشكل سليم وتعزز مؤسساتها بأناس أكفاء قادرين على إدارتها بشكل سليم، أما الموقع فلا يهمني. لكن الحديث هو عن تغيير يرتبط بالخريطة السياسية التي تنشأ عن الانتخابات، وأنتم رفضتم الانتخابات المبكرة؟ - إجراء انتخابات مبكرة في ظل وجود المالكي على رأس السلطة سوف يكون كارثة. نحن نريد إجراء انتخابات مبكرة، لكن عبر حكومة انتقالية تشرف على الانتخابات ولا تشارك فيها، هذا هو الحل لإنقاذ البلاد. أما الذهاب إلى الانتخابات في ظل الحكومة الحالية، فيعني ان التزوير سيكون كبيراً جداً، وسيكون هناك إرهاب للمواطن لكي يمتنع عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع. لماذا لا تتوجهون إلى المعارضة البرلمانية اذاً؟ - لا أعتقد بأن هناك شيئاً اسمه معارضة برلمانية في العراق بوضعه الحالي، فالمعارضة في هذه الظروف تعني أنك تدخل إلى السجن، وأنك تُتهم بالمادة 4 إرهاب. المعارضة البرلمانية هي انتحار سياسي حالياً. لكن بعض قادة العراقية هدَّد بالانسحاب من العملية السياسية برمتها؟ - هذا الخيار متاح عندما نصل إلى مرحلة لا نجد خلالها بدائل في تغيير مسار ما يجري حالياً في العراق، حينها قد نفكر بترك الحكومة والبرلمان. ألا تجد أن مثل هذا الخيار أكثر خطراً على مستقبل البلاد من التوجه إلى المعارضة البرلمانية؟ - «العراقية» ليس في نيتها ترك العملية السياسية، فهي تخشى بأن مثل هذا الخيار سيقود البلد إلى المجهول، لكن هناك من يدفع في هذا الاتجاه، فاذا استمرت الضغوط سيدفعون بنا إلى خيارات من هذا النوع عندما لا نجد امامنا بدائل اخرى. لنتحدث عن العامل الإقليمي في هذه الأزمة، التي تتزامن مع اضطرابات كبيرة وصراعات على مستوى أوزان القوى، بالإضافة إلى تاثيرات دولية؟ - العامل الإقليمي كان على الدوام مؤثراً في العراق، ومازال. لنتذكر جميعاً انه لولا إيران بالدرجة الأولى وأميركا بالدرجة الثانية، ما جاء المالكي رئيساً للوزراء لولاية ثانية، لأن واقع الحال كان يشير إلى أن السيد المالكي لم تكن لديه أي فرصة لتجديد ولايته، وكان الكل ضد توليه رئاسة الحكومة، لكنه فرض من قبل إيران ومن ثم وافقت أميركا لمصالح خاصة بها. اليوم قرار إبقاء المالكي في منصبه من عدمه يتأثر إلى حد كبير بما تقوله إيران، ويبدو ان إيران ما زالت تريد المالكي رئيساً للحكومة، لكن هذا الموضوع سيفرز في النهاية أزمة داخلية سندفع جميعاً ثمنها. هل تكريس فرضية الإقليم السني من ضمن الأثمان التي تشير اليها؟ - خلال كتابة الدستور، كان هناك إصرار كبير من الائتلاف الوطني حينها على وضع حق تشكيل الأقاليم في صميم الدستور، وكنا نحن نرفضه، لكن الذي حصل في السنوات التي تلت كتابة الدستور هو مزيد من التعنت والضغط على بعض المحافظات ليتم إجبارها على المطالبة بالأقاليم كقبول بالأمر الواقع. تعمق إحساس سكان هذه المحافظات أن لا حياة تنتظرهم، فإما ان يعيشوا عبيداً أو أن يذهبوا إلى الإقليم، تم ايصال سكان هذه المحافظات اليوم إلى هذه النقطة، وهذا باعتقادي جزء من مخطط كبير. واضح ان يداً خفية عملت بذكاء على إيصال العراقيين إلى قناعة بأن لا مجال للعيش مع حكومة مركزية ظالمة. إذا كنت تشير ضمناً إلى الرؤية الإيرانية، فإن تحليلات لا ترى أن من مصلحة طهران تقسيم العراق في هذه المرحلة على الأقل؟ - ربما يكون هذا الأمر صحيحاً، وأنا لا أتهم إيران بهذه القضية، لكن هناك قوى أخرى ربما عملت على هذا الموضوع، وليس بالضرورة أن تكون إيران خلف فرضية تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، كردية وسنية وشيعية، أو دفع البلاد إلى هذه النتيجة.