لا شيء سوى الحلم. «باطل الأباطيل، كل شيء باطل» (سفر الجامعة). كل ما سوى الحلم، باطل. حلم الكرتون بهدايا العيد تقذفها رياح الإعصار. ليكن اسمه «وواشي»، أو حتى «تسونامي». لا الأسماء تعني شيئاً ولا الإعصار له قوة الكرتون، ولا حتى التسونامي. تجلجل ضحكة الورق وطفلته، ويبقى الحلم حقّاً. أما الإعصار، فهو باطل. يُبطل حب الحياة كل خراب. الأجساد المتدثرة بالأحلام أقوى، في كل مكان. في الفيليبين، كما في مصر وسورية والولايات المتحدة حيث «احتلّ» مطلب الأمل ساحاتٍ ومخيلات. الحلم يجعل القسوة والجور والفساد، الإستلاب في الوطن، الغياب عن الحياة، وإعصار القمع... يجعل كل بؤس باطلاً. نثرت يدا الإعصار والتشرّد حول الكرتون أكياساً ملوّنة، كأنها هدايا. ربما الأمر أكثر مأسوية. ربما أكياس النايلون بقايا لما كان عائلة أو مكاناً أو قرية. لا يهم. لقد نجت الطفلة. هل تصل يوماً الى القصر الرئاسي في مانيلا؟ لطالما فاخرت كورازون أكينو بأنها ارتدت في طفولتها ثياباً مستعملة، وعانت التشرّد في الحرب العالمية الثانية. هل يكتفي الكرتون بتقييد جسدها، لتصبح مجرد طفلة بين الأجساد المحشورة لناجين من الإعصار، كحال الأرجل المعصورة العارية بجوارها، تشي بمأساة إنسانية مروّعة؟ لكن الطفلة الفليبينية ترتفع بجبينها وترنو بعينيها الى البعيد. كأنها أصيبت بعدوى حلم الكرتون. كأنها ارتفعت فوق مصير الناجين من الكارثة. كأنها تستعد للإقلاع على صهوة إعصار تصنعه بإرادتها. إن اطمأنت إلى كرتون التشرد، وهي لا تملك سواه، ربما يستدرجها الكرتون إلى لعبة خطيرة. ربما يدفئ قلبها الصغير قليلاً، لكنه يهددها بمستقبل مسدود أيضاً. هل يهمس الكرتون للطفلة بأنها، إن حلمت بالإرتفاع فوق تشرّدها، تصير سيّدة مصيرها؟ سيدة الإعصار. ليس مبكراً أن تحلم الطفلة بنفسها سيّدة، بل لعل هذا ما تتشاركه طفلات البشر دوماً. هل هي طفلة تستعد للفاقة التي لم تهزمها مواطنتها أكينو، على رغم حسن نياتها؟ أم أنها تمتطي حلم الكرتون وتمزجه بحلم سيدة المستقبل وإعصارها؟ في فيلم «الساعات» (ميريل ستريب، إخراج ستيفن دالدري - 2002)، تترك أنثى طفلها مفجوعاً ملتاعاً، كي تركض مع الحلم، كي تصبح أنثى حقاً، كي تصير سيدة فعلاً. وصارت هذه التي احتضن جسدها الغض حلم الكرتون، سيدة الحياة التي تنثر حلمها فيتدفق كالينبوع من عينيها، أقوى من الإعصار. * قراءة متخيّلة في صورة ل «أ ف ب» من أحد مراكز الطوارئ في جنوب الفيليبين حيث أدّت فيضانات أخيراً إلى مقتل ألف شخص وفقدان ألف آخرين.