يصعب كتابته بهذه الصيغة «ماذا يريد السعوديون؟»، لأن الجواب يتغير كمؤشر البوصلة عند تحريك السؤال جغرافياً، فعهد مديد منذ زمن التأسيس لم يمنحنا «نحن السعوديين» تشابهاً في جينات وطنية، اجتماعية، وحضارية، كافٍ للخروج من دائرة وصف «عمي حقي أنا»، وفقاً لتعريف يكرره شريحة عريضة من عمالة أجنبية كريمة تقيم بيننا. يحتوي علم الكيمياء على مفردة «تسامي»، وتعني تحول المادة سريعاً من حال صلبة إلى غاز من دون المرور بحال سائلة، وهي معادلة عاشها الشارع السعودي المتكون من طبقتين لا ثالث لهما، الأولى تحمل لقب «عمي»، والثانية تنادي «يا عمي»، وبالتالي فكل «عم» له «عم»، وبينما يقال في الموروث العربي «فوق كل ظالم ظالم»، ففي السعودية «فوق كل عم عم». ينتشر مصطلح «العمعمة»، لغةً وولاءً، على التراب السعودي، من لسان طفل يتوغل في عمق بقالة حارة، إلى مليونير يتدحرج في مكاتب بلديات ومحاكم، يكرر سؤاله اليومي «متى يطلع الصك يا عمي؟»، فيأتي الجواب «يوم السبت يا عمي»، بينما الواقف بينهما يحتار أيهما «عم» حقيقي، الموظف الصغير، أم المليونير الكبير؟ كانت قريتي كلها «عمي»، هكذا كان أبي يُصر على التزامي بها لفظاً وخضوعاً، ثم أدركت لاحقاً أن ذلك يأتي من أجل أن يناديه كل أطفال القرية «يا عمي»، كانت «العمعمة» سلعة ومقايضة، وعندما توفي توقف عن المتاجرة بها، فإذا استنكرني أحدهم «قلت له روح يا عم». يرتبط نداء «يا عمي» بالريال، كارتباط الأخير بالدولار، صعوداً وهبوطاً، وبآباء الزوجات تزامناً مع قوة الحب بين الزوجين، ثم ينتشر ببرودة طاغية تحت سقف إدارات حكومية تضع «العمعمة» رسماً ضرائبياً غير معلن، مع وجوب مراعاة طقوسها الممتدة من نبرة منكسرة إلى عدم النظر في عمق عين العم. يخضع جزء كبير من أسواق التنمية لقوانين «العمعمة» ويتم ترجمتها بمناقصات، وعقود من الباطن، لكنها في حالات كثيرة تعني «من ليس له عم، ليس له عقد»، تأتي جودة الأداء، وحقوق الأجيال لاحقاً. انتشرت «العمعمة» بزخم إبان ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، عندما كان استخراج تأشيرات «عمالة أجنبية» وبيعها مصدراً أساسياً وسهلاً لسداد ديون، أو توفير مهر عروس، لم يكن حينها مطلوباً من العامل إلا تصدير دراهم البلد ومناداة صاحب التأشيرة وكل سعودي باسم واحد «يا عم»، فهو لا يعرف أسماءهم، ولا يهتم لذلك، بينما دور العم كان الأكثر تقمصاً. يتشبع معظم السعوديين بفيتامينات ومعادن «العمعمة» من جلوسهم على كرسي حلاق إلى بشاشة «توفيق»، أقدم نادل جمر في مقهى فندق شيراتون جدة، والأكثر قدرة على إغاظتي لأنه «يعمعم» لأصدقائي أكثر مني. [email protected] twitter | @jeddah9000