تحتاج أجزاء من السعودية لمشاريع بحثية في مجال تدوين اللغة، لأنها تحتفظ بلهجات تكاد تكون لغات مستقلة بحد ذاتها، نتيجة صعوبة فهمها لغير ساكنيها، بينما كان ولا يزال الانزواء الجغرافي جزءاً أساسياً في الحفاظ على لغة أو لهجة محددة من الامتزاج بغيرها، واستمرارها في أداء مهماتها كلغة تواصل بين أقوام حتى وإن قلّ تعدادهم يدل على أنها لغة حيّة تتعرض لنمو متواصل، وليست مجرد إرث تاريخي عقيم. تتشبع جبال سعودية كذلك محافظات بقوانين لغوية مشهورة، مثل النبر، الإيجاز، الإبدال والقلب، يرفض بعض علماء اللسانيات ضمها إلى تأصيل علمي خاص بها، كما أنهم أسرفوا في تقبيح هذه المسارات، وأدرجوها ضمن أمراض لغوية معروفة بالكشكشة، الطمطمة، العنعنة والاستنطاء. انتهت اللغة في بداية المقال من رقصتها، ويدا الطبال لم تنتهيا من نقر الجلد العتيق بحثاً عن أجوبة لمعرفة كيف دارت حرب اللهجات على الأراضي السعودية. لم أجد جواباً سهلاً، لكن هذه حرب لا راصد لها، على رغم أنها إحدى أهم وسائل قراءة متغيّرات التركيبة الاجتماعية في السعودية، سابقاً ولاحقاً. تتعرّض اللهجات إلى تغيير بدرجات متفاوتة وفقاً لعامل هجرة الأبناء «شريطة أن يكون طويل المدى، وتشمل موجات من أجيال»، أو يكون نتيجة توطين متوالٍ حتى تستقبل البقعة الجغرافية موجات بشرية يصبح فيها ساكنو الأرض الأصليون أقلية، في كل الحالات اللهجة تخضع لقوانين نيوتن أيضاً «ثابت لا يتغيّر حتى تأتيه قوة خارجية»، وبالتالي فإن انحراف قرية أو مدينة عن لهجة كانت متداولة (ينقر) في رأسي سؤالاً، عن شكل الرسم البياني لارتفاع أو انخفاض قيمة سهم كل لهجة، إذا اعتبرنا لكل لهجة سهماً، و صنعنا لها رسوماً بيانية مماثلة لمؤشرات سوق الأسهم، منفردة، أو قطاعات. يقول أحدهم: «وأنت وش حارق رزك؟»، لأنه كائن بشري إذا شاهد ورقة تسقط من غصن يقول سقطت ورقة، بينما يتجاوز عن اهتزاز الغصن، وتدفق الريح، وبالتالي فإن احتراق الرز يشبه احتراق اللهجة، كلاهما يتسبب بتلف «الطعم»، فخمول لهجة محددة يعني ضمور أو إعدام طيف ثقافي كبير (شعر، حكم، أمثال، قصص... وكذلك وعي لا نجده في المدارس، لأنه ببساطة حكمة الأجداد)، فحكمة الأجداد تحديداً تشبه علاقة النبتة بالتربة، ثمة تربة لا ينبت فيها كل زرع. وهل لضمور اللهجة واشتعالها علاقة بما يتاح للجغرافيا من مقومات الحياة العصرية؟ هل اللهجة كائن يتنفّس يحتاج مستشفيات، طرقات، مدارس، وبنية تحتية كي تعيش؟ قد يكون الجواب مماثلة لعلاقة جسد الراقصة بيد الطبال، فإذا كان الطبال «متحمساً» فإن حال الليل «هاتك يا رقص». [email protected] @jeddah9000