تنفخت أوداجه، اهتزت مناكبه، واختلطت قهقهاته مع كلماته «وش تقول؟»، قلت له: «أنا في حال روقان دائم، لأنني أعيش كمواطن بعقلية مقيم»، ثم جاء التفسير وفقاً لإلحاحه وصدى جلسائه، وأسئلته واهتماماته! كانت أهم خطوة العثور على صديق وفيِّ في بلد غير عربي، فإذا ضاق العيش يكون ملاذي، كانت كندا الرجل والمكان «وتحديداً الدكتور صالح الرفاعي»، ثم بعدها، دجنت ذاتي لعيش بقية حياتي كأجنبي، فلا أنتظر نشرات الأخبار كجزء من مشروع انسلاخ من هموم كثيرة في نهايتها تشجيع نادي الوطني الرياضي بتبوك. يقول أهل المنطقة الوسطى في السعودية «حط بينك وبين النار مطوع»، وأنا «حطيت بيني وبين الدوائر الحكومية مكتب خدمات تعقيب»، يستل وثائقي من أدراج الوزارات مقابل دريهمات تكفيني شر النظر إلى حواجب تشبه علامة الضرب، ويحميني من سماع شعارات سعودية قديمة متجددة «ملف أخضر» أو «تعال بكره». اخترت أصدقاء من جاليات أجنبية، شاركتهم أقداح القهوة التركية وحلول مالية غير متاحة للسعوديين، وتعلمت منهم قانون «يا غريب كن أديب»، وكذلك السهر مع أصحاب لقب «طويل العمر» تحت سماء «الدي جي»، وفوق طاولات من نوع «شاهد ما شفش حاجة» بما فيها مناقصات بملايين الريالات، وفتيات من فئة «الليدي قاقا». طاح بالتدرج من رأسي برج عاجي اسمه «مجلس الشورى»، على رغم وصف «أوبرا ونفري» له بأنه أعظم مجلس شورى في العالم، لأن غالبيته الساحقة من أعضائه يحملون درجة الدكتوراه، لكنها لم تقرأ في صحف سعودية تصريحات أو تلميحات عن قدرة آلاف الدولارات على شراء الحرف الدال. ساعدني التعامل بعقلية مقيم أجنبي في احترام نظام ساهر، خطوط المشاة، استقبال ضيوفي في مطاعم أو مقاهٍ، تجديد جواز سفري قبل تاريخ صلاحيته، تجنب شركات التقسيط المنتهي بالتملك، اختيار موقف مناسب لسيارتي، وأيضاً عدم تحويل منزلي إلى «بنسيون» يحتضن متقاعدين أو متعالجين لا يتذكرون اسمي ورقم هاتفي إلا حينما ترميهم ريح السفر نحو جدة. تعلمت بصفتي «أجنبياً مقيماً» قراءة الصحف من ورقتها الأخيرة، وتجاهل المحليات، أيضاً عدم التفكير بزوجة ثانية، وقبلها يتدحرج رأسي بعيداً من «جامية، أخونجية، ليبرالية» وبقية جيوش تمارس حروبها على «تويتر»، و«يوتيوب»، حتى عندما أتحدث عن شأن محلي أضع جملة أساسية «عندهم في السعودية». تقطف الجاليات في السعودية «زبدة» ومتعة الحياة على أرضها، بعكس بياض شعر يقطفه منذ دهر صديقي الكبير ثامر الميمان، لأنه يصر على المكوث بقلب مواطن تزداد همومه مع بداية يومه بمقال عما أفسده الدهر في عصر أصبحت فيه المناصب وفق مفهوم الولاءات لا الكفاءات، وإمارات تفوق مساحاتها وعدد سكانها دولاً مجاورة، ومع ذلك تدار بكادر بشري أقل عدداً وكفاءة من مجالس إدارات شركات مساهمة خاسرة. [email protected] twitter | @jeddah9000