تلتفت كل أعناق الرجال في الشارع السعودي نحوك بمرونة وسرعة إذا صرخت بصوتك منادياً «ياااا أبو»، حتى عندما تقرأ هذا المقال بصوت عالٍ تجد بجوارك عيوناً تسألك «نعم، ماذا تريد؟». يصعب فهم لماذا علق السعوديون أسماءهم على قارعة الطريق، واستعاضوا عنها بكنية «أبو فلان»؟ يجذبني يقين إلى أنها جزء من رفضهم لاختيارات وقرارات آبائهم، فلقد مرت حقبة من الزمن غير البعيد كان الولد بيد أبيه مجرد متاع، يلقي به كيفما يشاء، حتى في أحضان زوجة تتشابه معه في الذكريات، اللهجة، تقاسيم الوجه، الثقافة، البؤس، وفصيلة الدم، وكأنه متزوج من نسخته الأنثوية، فطالما كانت الزوجة بنت عم... يا قلب لا تهتم. يتعجل السعوديون الجدد انسلاخهم من أسمائهم، بأسلوب معاكس لما كان عليه أجدادهم من إصرار، وأسماء ينتمي بعضها إلى قائمة أدوات المطبخ القديم، وتحديداً المتعلق بصناعة القهوة، «نجر، محماس، فنجان، صحن... الخ»، وبالتالي كان التدرج المنطقي لأسماء الأحفاد يضمن «ترمس شاي، خلاط هيل، كبتشينو، ميكاتو... إلخ». يغزو جمجمتي ويرحل هاجس إقران «ظاهرة أبو» بهوس إبراز الفحولة، لأن اللغة تؤكد على أن كلمة «أب» تعني استحواذ ذكر على قلب أنثى وجسد، وهو عمل بات أخيراً دور البطولة الوحيد المتاح لرجل الشارع ممارسته، فطالما مسلسل حياتنا يتقاسم بطولته أبناء عم... يا قلب لا تهتم. تشكل «ثقافة أبو» إطلالة على ممارسات عنصرية لدى السعوديين ضد الأسماء النسائية، لأنهم يهربون من ربط «أبو» باسم فتاة، أو يتقبلونه على مضض موقتاً، إلى حين ولادة اسم مذكر، بينما الشركات التجارية الصغيرة المسجلة بأسماء سعوديين، ويملك أصولها وقرارها أجانب تضع في إعلاناتها الصحافية «يمكنكم الاتصال بأبو شكيب»، طبعاً ثمة أخطاء فادحة في الإعلان كصياغة وتستر تجاري نامت عنه العيون. تتحول في أحايين كثيرة جلسة المقهى إلى طاولة تشبه أيام المجد التليد لمنظمات التحرير الفلسطينية، فكلنا أبو، ينقصنا فقط «كوفية» وقضية نبيع فيها ونشتري، وشفاه عريضة جداً لا يرهقها «تبويس» كل من نجده في الطرقات حتى أعمدة الإنارة، فطالما ليس لدينا قضية مشتركة وهم... يا قلب لا تهتم. افتقدنا «أسامينا»، لا أحد ينادينا بها، إلا في محاكم، أو في موضع يكون فيه الذل حاكم، أصبحت أسامينا عندما نسمعها «سادة»، نعرف أننا نعيش يوم مر لا يوجد فيه سكر، ونردد «يالله عسى هاليوم يمر على خير»، أحياناً يصادفني اسمي على غفلة في بداية إشعار خصم من راتب، أو على كشف حساب بنكي يشير إلى أن الرصيد الحقير أقل من ثمن الرسالة وكلفته البريد. أصبحت «أبو» أكبر قبائل السعودية، أكثرها ديموقراطية، لأنها سماء تستوعب المواطن والمقيم، وتمتد من القاضي إلى تاجر المخدرات، «نعم، ليس للمقال، بل رداً على أحدهم يناديني «يا أبو صالح». Twitter | @jeddah9000