سأظل أقارن بين أفعالنا وأفعالهم، بين خططهم، وخبط عشوائنا، وبين ما يفعلونه لغيرهم ولهم، وما نفعله نحن لأنفسنا ولغيرنا. لعلنا نصحو يوماً، ونخرج من الحلم إلى الواقع، ومن الحاضر الى المستقبل، ومن الإحباط إلى النشوة بالإنجاز، ومن جلد الذات، إلى إثبات الذات، ومن رد الفعل إلى الحساب الدقيق، ومن الإنشاء اللفظي، إلى الإنشاء العملي، ومن الشخصنة والتعصب ورفض الآخر إلى «الجمعنة» وقبول الآخر. بالأمس نشرت صحف إسرائيل خبراً مرَّ علينا مرور الكرام، فنحن اعتدنا أن نهتم فقط بأخبار السياسة والقتل والدمار والتشريد، ولا نلتفت الى غيرها. الخبر يشير إلى اكتشافٍ أثري بجوار الحائط الغربي (المبكى)، هو عبارة عن قطعة حجرية بحجم خاتم اليد من الحجر الصوان عليه حروف آرامية، فسَّرها الخبراء بأنها كلمة «حلال»! وقد عُقد لهذا الاكتشاف مؤتمر صحافي كبير، حضره وزراء معنيون، وأعلن المؤتمرون ما يأتي: «يعود الختم الحجري إلى عهد الهيكل الثاني، عندما كانت لجنة الإفتاء اليهودية الشرعية (السنهدرين) تتولى ختم الأغراض الداخلة إلى الهيكل بهذا الخاتم». إذاً، فالكتابة الآرامية كانت ملكاً خالصاً لليهود، إذاً ومن باب أولى فهم مالكو المكان والزمان، على رغم أن اللغة الآرامية هي أم اللغات، العربية والعبرية والفارسية واليونانية واللاتينية، وكانت اللغة الآرامية هي لغة كل منطقة آسيا اليوم. لم يسأل أحد عن كيفية ختم الأشياء بهذا النقش الحجري الصغير، وهل كان الخاتم بالصبغة السوداء أم البنية، ومن هو الشخص الذي كان يستعمله. هكذا إذاً يتوحد العلماءُ الإسرائيليون في كل الجامعات، والزعماء السياسيون من كل الأحزاب والتيارات، وكبار قادة الجيش من أمثال الجنرال العسكري الأثري يغئال يادين، ورئيس الوزراء جامع الآثار ووزير الدفاع شارون، وأستاذهما المنقب عن آثار الأجداد موشيه دايان، من كل قطاعات العسكر في مهمة عسكرية وطنية إسرائيلية واحدة، وهي ترسيخ وإثبات وتأكيد وجود اليهود في أرض الميعاد! أما نحن، فإليكم بعض الأخبار التي تعرفونها، فنحن ألدُّ أعداء الآثار التي يتركها الأجداد، لا لأنها تلغي إنجازات الأبناء فقط، ولكن لأنها تذكرنا بمواضينا الغابرة، لذا فإن الآثار العربية ظلت طوال التاريخ، إما إثماً دينياً يستحق التدمير والإحراق، وإما مهرباتٍ، لها أباطرة وتجار، معظمهم من السياسيين والحكام وولاة الأمر، وإما مواد لتزيين البيوت والقصور للقادة وولاة الأمور، وإما أنها أماكن لا يدعي ملكيتها أحد، فهي قطع أراضٍ معروضة للبيع والمقايضة! ولعلكم تابعتم ما حدث لآثار العراق ومصر، وما سيحدث لاحقاً من فجائع وأهوالٍ لما تبقَّى من آثار بلادنا، فلن يرتاح للعرب بالٌ قبل أن يعيدوا بلدان العرب إلى حالتها الأولى، صحراء جرداء ليس فيها سوى بقايا الإسمنت والإسفلت وبعض سلالات الإنسان العربي!