أستاذي لو كنت شاعراً لنظمت فيك قصائدي، ولو كنت فناناً لأوقفت عليك ريشتي. أستاذي؛ ماذا أذكر فيك؟ أأذكر إخلاصك؟ أم أدون آثارك؟ أم أروي سيرتك؟ أم أصف همتك؟ لقد كنت موسوعة علم، وبحر معرفة، ونبع محبة ومودة. أستاذي إنها ذكريات باقية، وصور خالدة، فمنذ كنت طفلاً في المرحلة الابتدائية كنت أنت نجم المدرسين، وبدر المعلمين، ترعانا بقلبك، وترشدنا بقولك، كان همك تربيتنا، ورسالتك إعدادنا، ترعانا في المدرسة، وترقبنا في الشارع، تُعلم وتربي، تُرشد وتقوَّم كنا نرقب حركاتك، ونلحظ تصرفاتك، احترمنا حزمك، وقدرنا حماستك، كانت لنا أبصار ترنو، وأذهان ترصد. وكنا صغاراً لا ندرك، وأطفالاً لا نعي، لكن الصورة باقية، والمشاهد ماثلة، مالت إليك قلوبنا، وحنّت إليك نفوسنا، فقد كنت أباً وأخاً، وصديقاً وصاحباً. ثم دارت الأيام دورتها، وانتقلنا إلى مراحل عليا، فوجدنا عند زملائك الود والرعاية، والحب والعناية. أستاذي؛ أذكر يوم كلفتني أن أكون أستاذاً بديلاً عنك، وأنا في المرحلة الثانوية، لقد أحسست حينئذٍ بالرهبة، وشعرت بالرجولة، حين وقفت شارحاً الدرس، وأنت جالس بين الطلاب، تسمعون شرحي وتناقشون عرضي. لقد شجعتني، وأكرمتني، وهنأتني، فظلت الصورة باقية، والذكرى خالدة. أستاذي: لقد أهديت إلينا الكتب، ونحن صغار، ورغبتنا في القراءة ونحن فتيان، فالعقد الفريد لابن عبد ربه، وفيض الخاطر لأحمد أمين، ووحي القلم للرافعي، تلك كتب قرأناها؛ فأضحت نديماً يلازمنا، وصديقاً يسامرنا. أستاذي: أذكر تسابقنا إلى مادتك، وشروحك التي كونت ثقافتنا وزادت معرفتنا، وآزرت عقولنا، وأنارت طرقنا، وأجرت أقلامنا، وتلك الاستطرادات الممتعة، والثقافة الثرة التي تشوقنا إلى مادتك، وتزيدك قرباً لنا وحباً إلينا. لا أزال أذكر حديثك عن علي بن الجهم، ولامية العرب ومعركة القادسية، ومعاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني، وعن.. وعن... الخ. كنت نبعاً ننهل من مائه.. ومورداً نرتشف من شاطئه؛ فلك ثنائي، وإليك أشواقي، وأخصك بوفائي، وأطريك بقلمي، وألهج لك بدعائي. * كاتب تربوي.